فيروز، تلك الشمعة التي تنير عتمة الليل الفني، ليست مجرد صوت يملأ الأذهان بل هي حضورٌ يتراقص بين نقاط الضوء على خشبة المسرح وشاشة السينما. إنها فنانة استثنائية، تتجاوز حدود الغناء لتنطلق إلى عوالم فنية متعددة، ومن بينها عالم السينما.
تخوض فيروز رحلة سينمائية استثنائية أبهرت الجماهير وتركت بصمة لا تمحى من قلوب عشاق الفن السابع. بعيدًا عن مسارها الغنائي الرائع، قدمت فيروز ثلاثة أفلام سينمائية فريدة من نوعها، وهي أعمال تتميز بالفخامة والجمال الفني.
“بياع الخواتم”، “سفر برلك”، و”بنت الحارس”، هي أعمال تجمع بين سحر السينما ورقي الأداء الغنائي، وهي عبارة عن لحظات فنية تتجلى فيها موهبة فيروز بكل جوانبها. يقف وراء هذه الأفلام اثنان من عباقرة السينما العربية، يوسف شاهين وهنري بركات، اللذان نقلا عبق وجمال فن فيروز إلى عالم السينما ببراعة فائقة.
تتسم أفلام فيروز بالعمق والروح، حيث تنقلب صفحاتها لتكشف عن قصص إنسانية تعكس جمال الحياة وتعقيداتها. يظهر فيها أداء فيروز بكل رقة وعفوية، وتتحدى فيها النغمات السينمائية القاعدة لتطلق العواطف والأحاسيس بطريقة تميزها عن أي فنان آخر.
لم يختلف سيناريو “بياع الخواتم”، ليوسف شاهين، كثيرا عن النص المسرحي بل هو ذاته بمكوناته الرئيسية.
بين “أمي نامت عبكير” و”يا حجل صنين”، تنطلق فيروز خلال الفيلم في رحلة من الغناء والتمثيل لتضيف على المشاهد متعة وجمالية بصرية يحفل بها المشاهد.
وفي “بنت الحارس” اختار شاهين أن تدور أحداثه حول قرار الأهالي بإحدى القرى إحالة الحارسين اللذين يحرسان القرية للاستيداع، وذلك بسبب عدم وجود لصوص. فتقرر ابنة أحد الحارسين التنكر في شكل لص لتهدد بيوت المتساكنين في كل ليلة بهدف عودة والدها الى العمل.
أما فيلم “سفر برلك” لهنري بركات، فتدور أحداثه في فترة بداية الحرب العالمية الأولى متى تم قطع القمح على لبنان لتجويع الأهالي قصد تدمير مقاومتهم.
إن الاندماج الفريد بين صوت هذه العندليب وعبق السينما العربية يتجسد في هذه الأفلام، حيث تتناغم الموسيقى مع الصورة لتخلق تجربة سينمائية لا تُنسى. إنها رحلة استكشاف فني يعيد تعريف مفهوم الجمال والإبداع في عالم الفن السابع.
هكذا، تظل أفلام فيروز الثلاثة خالدة في مخيلتنا، رحلة فنية تأسر القلوب وتحملنا إلى عوالم ساحرة تتألق بلمسات الفنانة الرائعة فيروز وبإخراج عباقرة السينما.
