احتضنت قاعة “أفريكا” بتونس العاصمة يوم 21 جوان 2025 جلسة “ماستر كلاس” قدّمها المخرج التونسي رضا التليلي، وذلك ضمن فعاليات الدورة الثانية من مهرجان “جون روش خارج الأسوار”، الذي يُعنى بالسينما الوثائقية بوصفها عملا بصريا يحاكي الواقع ويحمل الذاكرة الجماعية.
رضا التليلي، الذي اختار أن يكون طليقًا من قيود الإنتاج التقليدي، قدّم رؤيته للسينما كفعلٍ لا يُمارَس كل يوم، بل كحالة وجودية وضرورية، تُنجز كلّما دعت الحاجة إلى قول ما لا يُقال. قالها بوضوحٍ وهدوء: “السينما وجدت لأن العالم ليس كاملاً، وأنا أصنع الأفلام لأوصل الحقيقة التي تختبئ خلف الأشياء.”
هو لا يصنع أفلامًا، بل يمنح لحظات الحياة صوتًا وصورة، حسب تعبيره. لا يشتغل وفق إملاءات السوق ولا يرتبط بعقود المنتجين، بل يختار أن يُنصت للناس، أن يعيش بينهم، أن يتقاطع مع لحظاتهم العادية التي تتحوّل، بعدسته، إلى شهادات عن زمنٍ متحوّل. “أنا نصور حاجات من الحياة اليومية، نحاول من خلالها إيصال لحظات حيّة، أُشرك المتفرّج فيها، كأنه يعيشها، كأنه يصيح ويضحك ويبكي مع أصحابها.”
في هذه الجلسة، عاد بنا التليلي إلى محطات من مسيرته الغنية، من أبرزها فيلم “أهل الكهف”. هذا العمل لا يوثق فقط مجموعة فنية، بل يؤرّخ لذاكرة جيل كامل. “أهل الكهف” هي إحدى المجموعات التي ولدت في الظل قبل أن تصعد إلى سطح الجدران في تونس ما بعد الثورة، عبر فن الغرافيتي، لتصرخ بلونٍ وأمل، وترسم وطنًا حرًا على الجدران المهترئة.
وإلى جانب فيلم “أهل الكهف”، أنجز رضا التليلي سلسلة من الأفلام الوثائقية الطويلة المستقلة التي تناولت إرث الثورة التونسية وما خلّفته من تحوّلات اجتماعية وسياسية. في “ثورة غير درج”، وثّق ولادة أولى التجارب الفنية لفن الشارع والغرافيتي في تونس ما بعد الثورة، بينما شكّل فيلم “جهة” رحلة في عمق حياة البدو، رصد من خلالها تشبّثهم بالصحراء والحرية، عبر الأهازيج، الرقصات والخرافات الشعبية. أما في “المراقبة والمعاقبة”، فقد عالج العلاقة المتأزمة بين السلطة المركزية والمدن المهمّشة، في حين اختار في “تنسى كأنك لم تكن” أن يسائل المحاكمات التي تعرّض لها شباب شاركوا في الفعل الثوري سنة 2011، كاشفًا عن هشاشة العدالة واستمرار غياب الإنصاف بين مختلف جهات البلاد.
وسيُختتم المهرجان غدا 22 جوان بفيلمه الأخير “لون الفسفاط”، عملٌ يوحي من عنوانه بذلك التناقض بين الثروة والموت، بين ما يُستخرج من باطن الأرض وما يُدفع من ثمن في فوقها، حيث تختلط السياسة بالبيئة، والنضال بالحياة اليومية.