يحتفل العالم في تاريخ 11 جويلية من كل عام، باليوم العالمي للسكان بهدف تعزيز الوعي بقضايا الشعوب. ولعل هذا الاحتفال تجمعه والسينما علاقة ضمنية ومترابطة إلى حد ما.
ففي العصور الحديثة، قدمت السينما العربية مساهمات هامة في توثيق وتعزيز الثقافة والهوية العربية. كما حاولت أن تعكس تجارب وقضايا اجتماعية لنشر رؤية ثقافية عن الواقع العربي والتحديات التي يواجهها السكان.
وإن المتأمل في عالم الفن السابع يتبين له دور الأفلام في إزالة الستار عن قضايا إنسانية مختلفة مثل الهجرة، والعنف، والعنصرية والتمييز، والهوية الثقافية، وغيرها من القضايا التي تؤثر على السكان.
ويشار أن هذا الاحتفال يتزامن مع ما تعيشه البلاد التونسية مؤخرا من صراعات ضد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين تم اخراجهم قصرا من مقر سكناهم وترحيلهم إلى حدود البلاد بدون أكل ولا مرعى ولا حتى كرامة. وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول صور تكشف عن اعتداءات عنصرية ضد هؤلاء المهاجرين.
هي صور ترسخ في الأذهان ويصعب محو أثرها…مشاهد عديدة من شأنها أن تطرح تساؤلات حول حقيقة علاقة الشعب التونسي بـالعنصرية المتجذرة والقاطعة مع الكرامة الإنسانية. كما تدفعنا هذه الصور أيضا للتساؤل حول موقف السينما التونسية في هذا السياق.
هل كانت هذه الأخيرة وسيلة لردع التمثلات العنصرية ضد أصحاب البشرة الداكنة وفضح الواقع المعيشي؟ أم أنها سارت على نفس منوال الأقليات المنادية بالرفض والتنكيل ضد الآخر المختلف؟
سرطان العنصرية ينخر خلايا المجتمع
جهرت عديد الأعمال السينمائية التونسية بوجود أقليات في تونس تتبنى قيم العنصرية ورفض الاختلاف في اللون والعرق.
وقد تنوعت زوايا طرح هذا الموضوع في تلك الأعمال والتي نذكر من بينها الفيلم الوثائقي “لا- نعم!” للمخرج “محمود الجمني” الذي ينتصر من خلاله للإنسانية ويسلط الضوء حول قبح وبشاعة المعاملة تجاه أصحاب البشرة السوداء.
ينتقل الفيلم بالمشاهد إلى أعماق الجنوب التونسي ليصطحبه في رحلة مع مجموعة من الشخصيات التي تسرد بدورها معاناتها مع العنصرية والتمييز في المدارس والوسط الاجتماعي بصفة عامة بسبب افتقارها لبشرة ناصعة البياض.عبارات موجعة تصفع مشاهد هذا الوثائقي ولكنها تنبع في أعماقها رسائل سامية تنادي بأهمية التعايش السلمي وحفظ كرامة الإنسان.
“لا- نعم” هو عنوان يتكون من كلمتان متضادتان ولكن تصرحان ضمنيا بالكمال، شأنها شأن العلاقة بين البيض والسود. وكأنما “محمود الجمني” يدعو إلى تقبل الاختلاف كمصدر للإثراء. فلا للعنصرية ونعم لقبول الآخر.
كما يحضر المخرج “وليد الطايع” في ذات السياق بفيلمه القصير بعنوان “هيبة” والذي عرض لأول مرة في عام 2009 وتوج بعديد الجوائز في المهرجانات من بينها جائزة تلفزيون وراديو الأندلس في إطار الدورة السابعة من المهرجان “الإفريقي للسينما والتلفزيون في واغادوغو”.
يسرد الفيلم قصة حب تجمع بين طالبة تونسية مع شاب من “بوركينا فاسو”. حيث تضطر الفتاة لتقديم حبيبها الى عائلتها كلاعب كرة قدم ميسور الحال، وذلك تخوفا منها لرفضه لأسباب عنصرية.
ولا يمكن الحديث عن العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء دون الإشارة الى السينما النسائية.
وفي هذا السياق يمكن أن نذكر فيلم “لديها حلم” للمخرجة التونسية “رجاء العماري” الذي يتبع قصة شابة ذات البشرة السمراء تدعى “غفران برناس” التي تتعرض إلى العنصرية إثر ترشحها لمنصب في الانتخابات التشريعية في تونس في عام 2019.
ومن ذلك، فإن السينما التونسية مثلت – من خلال عديد الأعمال- صوتا يدافع عن الفئات التي لم ينصفها واقع ذو مبادئ إقصائية ولا إنسانية. ولكن السؤال الذي يظل يطرح نفسه، هو إلى أي مدى يمكن أن نسلم ببراءة السينما في حد ذاتها من تهم العنصرية؟