بعد مهرجان “كان السينمائي” وفيلم “بنات ألفة” لكوثر بن هنية”، تواصل السينما التونسية اصرارها لاثبات ذاتها في أكبر وأعرق المهرجانات السينمائية العالمية. إذ أن فيلم “وراء الجبال” لمحمد بن عطية يعتبر العمل التونسي والعربي الوحيد المشارك في قسم آفاق في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لعام 2023.
ولعل ذلك ما يدفع إلى التساؤل عن أي ميزة تظفر بها السينما التونسية عن غيرها من الدول العربية الأخرى؟ وعن ماهية الأفكار التي يطرحها هذا الفيلم الذي يتفرد برشف العمل العربي الوحيد الذي يؤثث شاشات عرض مهرجان البندقية في مسابقته الرسمية؟
إن المتأمل في قصة الفيلم والأحداث الرئيسية، دون مشاهدته، يخام ذهنه في البرهة الأولى أنه عمل سينمائي ينتمي إلى عالم الفانتازيا. إذ يدور الفيلم بشكل مثير حول رفيق الذي يخطط لإظهار قواه الخارقة لابنه، والمتمثلة في القدرة على الطيران. وذلك إثر خروجه من السجن بعد مدة لم تتجاوز الأربع سنوات.
لطالما كانت الأعمال السابقة “لبن عطية” مثل فيلم “نحبك هادي” من بطولة “مجد مستورة” والذي عرض لأول مرة في عام 2016، متجذرة في واقع التوترات الاجتماعية في تونس، ولكن هذه المرة تتطور الدراما مع “وراء الجبال” ليغوص أكثر في الصحة العقلية والنفسية في إطار فلسفي مليء بالرموز.
ففي “نحبك هادي” يحضر “مستورة” في شكل الرجل الهادئ والعاجز، الممزق بين امرأتين وغير القادر على اتخاذ قرار متمرد يتماشى ورغباته. أما في هذا الفيلم الذي ينافس في فينسيا، “مستورة” هو بطل يمتلك قناعة قوية بقدرته على القفز من المرتفعات والطيران في الهواء الطلق.
هو شخصية متمردة، يدمر المكتب الذي يعمل فيه ثم يقفز من النافذة. يختطف إبنه لتحقيق غاياته التي لا يمكن أن تفهمها إلا عند مشاهدة الفيلم وتحليله بطريقة عميقة وفلسفية إلى حد ما.
وتتجلى مظاهر الإشارة إلى الصحة النفسية في الفيلم من خلال عديد الأحداث لعل أهمها حين اعتمدت المرأة التي تلعب دورها الممثلة “سلمى الزغيدي”، على مضاد القلق المذاب في المشروب كسلاح مفضل تستخدمه ضد الرجال الذين اقتحموا منزلها ليلا.
تظل فكرة “الطيران” المحور الأساسي للفيلم ولكن السؤال الذي يواصل طرح نفسه هو ما رمز هذا الفعل في “وراء الجبال”؟
هل يسعى “مستورة” -أو “رفيق” كما يسمى في الفيلم- إلى التحليق في السماء سعيا منه للاحساس بالحرية والتخلص من كبت نفسي أو عقلي؟
أم أنه بعد أربع سنوات غياب عن ابنه، يسعى الآن لكسب رضاءه وإثارة اهتمامه واقناعه بأنه أب مميز؟ أم أن “الطيران” في حد ذاته هو وهم حزين يسكن مخيلة بطلنا “رفيق”؟