تزامنا مع مشاركة فيلمه “القطرة” في فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان الإمارات السينمائي الدولي، تحدث المخرج التونسي “يونس بن حجرية” في مقابلة خاصة مع مجلة سكرين عربية عن تفاصيل هذا العمل ومشاركاته الدولية، حيث قدّم رؤيته الشعرية التي في أعماله السينمائية.
أي قصة يطرحها فيلم “الڨطرة”؟ وما هي الرمزية المحملة في عنوانه؟
يوثق الفيلم فن “الغَنّاية” (الشعر الملحون) في مدن الساحل التونسيّة… في قلب هذا التراث الشعري ومنذ بدايات القرن التاسع عشر برز فن الشعر والغناء الشعبيين بالمكنين وفي ثلاثينات القرن العشرين مثّل الأديب والشاعر المكني (أصيل مدينة المكنين) “محمد خضر جديرة ” الأب الروحي لفناني وعشاق هذا النوع من الغناء.
في هذا الفيلم تغيب المرأة عن الإطار ومن ناحية أخرى هي الموضوع الأساسي والمحور لكلمات الأغاني… هي محاولة لحفظ ذاكرة شعبية في طريقها إلى الاندثار.
“الڨُطرة” هي البيت التي يلتقي فيها الشعراء الشعبيون و”الأدبة”، كما يقال في اللهجة التونسية، لحفظ الشعر وغنائه.
أطلقها مجموعة من الشعراء من بينهم الشاعر المكني أحمد حسيون والأديب صالح الصيادي والأديب سامح بن سوسية ومجموعة من السعفة (خالد المهدوي، عبد الوهاب الرصاص، أنور بن كحلة…)
كما ترجم أحد شعراء المدينة أن القصيدة تبدأ من الڨُطرة و”بالقطرة بالقطرة” حتى تصبح قصيدة مكتملة أو حتى أغنية.
ما هي الرسائل التي يدعمها فيلم “القطرة” ؟
الرسائل عديدة منها ما هو مقصود ومنها ما هو مقروء من قبل المشاهد ولم يقصده المخرج وهو الذي يرى ما لا يراه المخرج أحيانا( يقول السيميائي رولان بارث أن للعمل الفنّي ثلاث تصديات؛ الأول وهو ما يقصده الفنان والثاني ما يحمله العمل الفني والثالث ما يقرؤه المتلقي)
من بين أهم أهداف الفيلم هو المحافظة على إرث عملاق في طريقه للاندثار، منذ سبع سنوات ونحن نوثّق سهرات واجتماعات مجموعة الڨُطرة وحفلات “الغنّاية” أو كما يُطلق عليها “الأدبة” باللهجة التونسية.
شعاري في مسيرتي الإخراجية هو “سجل فإن التاريخ يمر”، والتاريخ نجده في الفن والشعر.
فالشعر يلعب دورا مهما في تركيبة وحياكة الفيلم كما أن السينما كذلك توثق وتتجلى عبر صورة شعريّة، اذ يقول كيارستمي في هذا السياق “لا اعرف شيئا سوى الشّعر يستطيع أن يفعل هذا”.
ربما تتشابه أعمالي كلها في مسارها الإخراجي، فالشعر دوما مرجعها والواقع أساسها وأجمل الأشياء هي تلك التي يكتبها الشعر وتنحتها السينما.
كيف يضيف توجّه السينما الشعرية قيمة فنية للأفلام؟ وما هي الإسهامات الفريدة التي تقدمها في المشهد السينمائي ككل؟
أول من أطلق مصطلح “السينما الشعرية” هو المخرج الإيطالي بازوليني . وكما نعلم ان علاقة السينما بالفنون الاخرى مثل المسرح والموسيقى والرقص والرسم والنحت، هي علاقة مألوفة، لكن علاقة السينما بالشعر ليست اعتيادية فهذه النوعيّة تجعل من المشاهد يفكر ويحلل ويحس، ليصير ناقدا وجزءا من الفيلم.
الافلام الشعريّة هي الأقرب إلى الواقع ولا يعني ان كل فيلم يحكى عن قصيدة فهو فيلم شعري، فالمعنى من الفيلم الشعري هو الفيلم الذي ينقل لنا الواقع في تأنٍّ وتمعّنٍ وعبر الاختزال والتكثيف.
إلى أي مدى يمكن التسليم مكانة الأفلام الشعرية البارزة في مجال الفن السابع في تونس والعالم العربي؟
منذ 2017 فكرت في تأسيس مهرجان سينمائي يهتم بالأفلام الشعريّة وبعد سنة تقريبا تحقق الحلم وأطلقنا عليه اسم “أيام سينمكنة للأفلام الشعرية” وكانت الانطلاقة من مكنة الاسم القديم لمدينة المكنين وهي مدينة فيلم “الڨُطرة ” ففي أواسط القرن التاسع عشر في عهد المشير أحمد باي كانت تُسمى “دار الطابع” أي كانت تؤشّر للشعراء الشعبيين من كامل البلاد التونسيّة- مثل الشاعرين سالم الحجام من طبربة والعربي النجار من مدينة العالية ببنزرت.
فليس مجازا أن نقول إن المكنين تتنفس الشعر- وذلك لما تزخر به من شعراء شعبيين إلى يومنا هذا، فالسينما والشّعر تركيبة اشتغلت عليها في أكثر من بحثٍ وأكثر من فيلمٍ من “صوفيزم” الى “الطريق إلى كياروستامي” إلى فيلم ” الڨُطرة “.
“فأيام سينمكنة للأفلام الشعريّة” تقريبا من أول المهرجانات في تونس والعالم العربي تهتم بهذه الرُّؤى. وفي هذه السنوات سيكون لها حظ في تونس وفي العالم.
ما هي المشاريع الجديدة التي تنوي تنفيذها في عالم السينما في المستقبل؟
سيكون الفيلم القادم حول شاعر من شعراء مكنة وأتمنى له نفس شعري…