مهما أردنا ترتيب الأفكار و إيجاد أسباب منطقية أو إجابات, لم نجد ما ينير ضبابية المشهد الذي تعيشه تونس من خلال علاقة الوزارة بقطاع السينما. فمع إعلان احتفالية تونس بمئوية السينما التونسية 2022/2023 وعرض برنامج “ثري” للأنشطة والعروض و إطلاق مشروع السينما تجمعنا,نجد في ذات الحين قرارا بإلغاء أيام قرطاج السينمائية وإعلان استشارة وطنية حول السينما من خلال تنظيم لقاءات “مبعثرة” مع أهل القطاع تحت إشراف الوزيرة دون حضورها في النقاشات.حتى و مع تكوين اللجنة الاستشارية المشتركة التي تضم ممثلين عن وزارة الشؤون الثقافية والمركز الوطني للسينما والصورة ومهني قطاع السينما و انطلاق جلساتها,لاحظنا توتر العلاقة بين الشقين و اختلافات كبرى في محاور النقاش و الأولويات. فهل ستحقق اللجنة أهدافها المرجوة و طموحات السينمائيين أو أنها ستكون صورية تمثل مساحة للنقاش وطرح المقترحات في الجلسات دون أخذها بعين الاعتبار خلال إعلان القرارات.
قرارات مرت مرور الكرام خلال الفترة الماضية وهي -على سبيل الذكر لا الحصر- عودة لجنة الرقابة على الأفلام للعمل هذه السنة بعد تعليق نشاطها منذ الثورة حسب تصريح الموزع التونسي محمد الفريني بالإضافة إلى إلغاء الصندوق الوطني لتأهيل قاعات السينما. في وقت تشهد فيه تونس تسلسل إعلانات غلق وإفلاس قاعات سينما بالإضافة إلى الصعوبات التي يعيشها كل من فكّر في تصوير أو عرض فيلم بالرغم من أن الفرص لازالت متاحة لتونس لإعادة أنظار المنتجين العالميين للاستثمار و تصوير أفلامهم في بلادنا.
أيام قرطاج السينمائية, صمدت أمام 7 نوفمبر 87 و أطاح بها قرار 7 نوفمبر 2022
ها نحن اليوم قبل 7 أشهر من الموعد المعتاد لانعقاد أيام قرطاج السينمائية دون أي قرار رسمي بإلغاء الدورة أو تسمية لمدير جديد خلفا للسينمائية سنياء الشامخي مديرة دورة 2022 التي عبرت عن رغبتها في إنهاء التجربة إبان حفل ختام الدورة السابقة.
في حين أعلنت جل المهرجانات السينمائية عن مواعيد دوراتها,نجد غيابا تاما لأي أخبار حول أيام قرطاج السينمائية عميد المهرجانات السينمائية الإفريقية والعربية غير تصريح وزيرة الشؤون الثقافية د.حياة قطاط قرمازي خلال استضافتها في القناة الوطينة يوم 7 نوفمير الماضي بعد لقاء جمعها مع رئيس الجمهورية أين أعلنت عن قرار إلغاء سنوية المهرجان وإطلاق استشارة لأهل القطاع للبحث عن سبل لتجديد المهرجان. قرار لم يتبعه نص أو إعلان بل بقي رهين ذاك التصريح التلفزي.
فماهي عواقب هذا القرار وهل هناك خطة خلف هذا الغياب أو هو بمثابة الإعلان عن موت المهرجان؟
الغياب أو التغييب, قرار سهل بجرة قلم و عواقب وخيمة على القطاع …
كل متابعي المهرجانات السينمائية يعلمون جيدا أن مهرجان قرطاج كان محور اهتمام السينمائيين الأفارقة و العرب و كانت المهرجانات تتساءل عن موعده قبل الإعلان عن جدولها الزمني و مع غياب الجي سي سي هذه السنة ,سينسى المهرجان ويضل ذكرى عند السينمائيين خلال حضورهم في مهرجانات القاهرة و الجونة و البحر الأحمر إلى جانب عدد من المهرجانات الحديثة والتي بغياب قرطاج ستجد فرصة لإثبات ذاتها و إفتكاك مكانتها في خارطة المهرجانات.
منذ أن أصبحت أيام قرطاج سنوية في 2014, شاهدنا أعدادا هامة من الأفلام التونسية و العربية والإفريقية,ولنتفق أن أغلب مخرجي و منتجي الأفلام التونسية تطمح لعرض أفلامها في أيام قرطاج السينمائية و خوض تجربة الكبار, لأن قرطاج ليس فقط مهرجان و مسابقات بل هو تاريخ ومحطة مضيئة في مسيرة كل صانع فيلم بالإضافة إلى تميزه بنوعية الأفلام و تخصصه في أفلام المؤلف والسينما المستقلة.
فإلى أين سيلجأ صانعي الأفلام التونسية المنتجة خلال سنة الغياب؟ كيف سيتقبل المخرجين حرمانهم من لقاء جمهور قرطاج المميز؟ وماهي الأسباب التي ستقنع ألاف الجماهير التي اعتادت خوض تجربة قرطاج الفريدة وعيش أسبوع بين سينماته و شوارعه؟
.صورة الغلاف :صورة من أيام قرطاج السينمائية سنة 2008/ فتحي بلعيد/ أ.ف.ب*
*الصورة 2 و3 من الصفحة الرسمية لوزارة الشؤون الثقافية و أيام قرطاج السينمائية