في لحظة تاريخية فارقة، شهد العالم يوم أمس 8 ديسمبر 2024، إعلان سقوط نظام بشار الأسد، الخبر الذي شغل مساحات واسعة من الحوار والتفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث هزت صور وفيديوهات العناق بين العائلات السورية التي طالما فارقتها الأحزان والتشرد. سنوات من البعد والدمار، سنوات من القهر والاحتجاز، كما اعتبرها الشعب السوري، انتهت في لحظة واحدة اختلط فيها الفرح بالألم، ليطوي ذلك الفصل الأكثر سوادا في تاريخ سوريا. في تلك اللحظة، كان الفرح لا يقتصر على العناق بين الأفراد فقط، بل كان أملا جديدا يولد في قلوب الشعب السوري بأسره.
لكن هذه اللحظة، التي تعدّ بمثابة بداية جديدة للعديد من العائلات السورية، هي أيضا محصلة مريرة لسنوات من الحرب والمأساة، التي لم تكن مجرد صور مدمرة على الأرض، بل كانت شريطا من الألم المتجدد الذي وثقته كاميرات السينما.
الفن السابع، ذلك الفن الذي لا يقتصر على إعادة تصوير الواقع، بل يتعداه ليصبح ذاكرة حية وتاريخا متجددا، كانت حاضرة في قلب المأساة السورية، تسجل لحظات من الألم، المقاومة، والأمل في وسط الدمار. لم تقتصر السينما السورية على ترفيه جمهورها، بل كانت صوتا للعائلات المشتتة، والمظلومين الذين اختارتهم كاميرات المخرجين ليكونوا أبطالا في أفلام وثائقية وسينمائية جسدت معاناتهم.
وفي هذا السياق تعرفوا على مجموعة من أبرز الأفلام التي وثقت معاناة الشعب السوري:
فيلم “نجمة الصبح” (2019):
فيلم للمخرج جود سعيد، يروي معاناة السوريات المختطفات خلال سنوات الحرب، حيث يُسَلط الضوء على القسوة التي تعرضن لها، وتوثيق لرحلة الألم والمعاناة التي لا تنتهي. تبدأ القصة تحت ظلال شجرة الأمل، وتنتهي بالقرب من نفس الشجرة، في إشارة إلى الانتظار المستمر لعودة المغيبات. الفيلم يحمل في طياته رؤية سينمائية مبتكرة تعكس الوحشية التي يمارسها الإنسان ضد الإنسان، في الوقت الذي يظل فيه الأمل مشرقًا رغم الظلام.
فيلم “آخر الرجال في حلب” (2017):
هو فيلم وثائقي للمخرج فراس فياض، يروي قصة “الخود البيض”، أولئك المدنيين الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ الضحايا في مدينة حلب خلال الحرب. يأخذنا الفيلم عبر حياة ثلاثة من هؤلاء المتطوعين الذين اختاروا البقاء في بلادهم رغم المخاطر المحدقة، ليكونوا شاهدين على مأساة سوريا. بمشاهد مؤثرة، يعكس الفيلم تضحيات هؤلاء الأبطال الذين لا يترددون في مواجهة الموت من أجل إنقاذ الحياة، ليجسد بشجاعة جانبا من قصة الصمود السوري.
فيلم “ميـاه فضية” (2014):
فيلم، من اخراج وئام بدر خان وأسامة محمد، يحمل مرارة الواقع السوري بكل تفاصيله، حيث يوثق بداية الثورة وما تلاها من دمار في مدينة حمص. الصور الملتقطة بواسطة هواتف الثوار، إلى جانب تلك التي تم إرسالها من الصحافية وئام بدرخان، تروي ملامح الحياة والموت في المدينة المدمرة. هذا الفيلم، الذي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي، يبرهن على قدرة السينما الوثائقية على نقل حقيقة مرّة، تُظهر معاناة المدنيين تحت وقع القصف المستمر، مشاهد تدمير المدن، والمجازر التي ارتكبت بحق الأبرياء.
فيلم “الكهف” (2019):
هو عمل وثائقي سوري-دنماركي أخرجه المخرج فراس فياض، وقد تم إنتاجه بالتعاون مع ناشيونال جيوغرافيك والأفلام الوثائقية الدنماركية. يتابع الفيلم قصة الدكتورة أماني بلور، طبيبة الأطفال الشابة التي أصبحت، في سن 29 عاما، المسؤولة عن إدارة مستشفى تحت الأرض في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، وسط جحيم الحرب الأهلية السورية. خلال فترة عملها، واجهت بلور تحديات هائلة في علاج ضحايا الانفجارات والهجمات الكيميائية التي طالت المدنيين. اليوم، بعد سنوات من الحرب والدمار، تعيش أماني بلور لاجئة في مدينة غازي عنتاب التركية، بينما يظل فيلم “الكهف” شهادة حية على صمودها وصمود العديد من الأطباء السوريين الذين ضحوا بحياتهم من أجل إنقاذ الأرواح وسط واحدة من أكثر فترات التاريخ السوري قسوة.
هذه الأفلام، بكل مرارتها وشهاداتها، تبرهن على أن السينما السورية ليست فقط فنًا، بل هي وثيقة حية عن مأساة شعب مقاوم، حيث تُسجل الوجع، وتخلد البطولات، وتبقى شاهدة على التاريخ الذي لا ينسى.