هل هناك ثمن للبقاء على قيد الحياة؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه المخرج رامي القصاب في فيلمه المصري السوري القصير “فقدان” المستوحى من أحداث واقعية، ويشهد عرضه العالمي الأول في الدورة الخامسة والثلاثين من مهرجان قرطاج السينمائي في تونس.
يتتبع الفيلم رحلة مجموعة من المهاجرين أثناء توجههم إلى مصر على ظهر شاحنة صغيرة. وأثناء عبورهم الصحراء، يتعرضون لخسارة مؤلمة وصادمة. تُظهر القصة الثمن الباهظ للبقاء على قيد الحياة، وهو الثمن الذي يعرفه ضحايا الحروب والنزوح جيدًا.
يروي القصاب القصة الحقيقية لأم شابة فقدت شيئًا لا يوصف خلال رحلتها بحثًا عن الأمان عبر مصر. بصحبة مجموعة من اللاجئين السوريين، دفعوا لمهربين لنقلهم على متن شاحنة في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الصحراء. تميز الأداء التمثيلي، وخاصة يارا قاسم التي جسدت دور الأم، بقدرتها على نقل الآثار النفسية العميقة للنزوح، من خلال ملامح شاحبة وصمت بليغ يحمل آلاف الكلمات.
خلال أقل من عشر دقائق فقط، يعبر الفيلم عن المعاملة الوحشية التي يواجهها المهاجرون، والفظائع التي غالبًا ما يتم التغاضي عنها أو تجاهلها. في الصحراء، لا توجد كاميرات أو صحفيون لتوثيق معاناتهم. وإن كُتبت قصصهم، غالبًا ما تُحجب أو تُشوّه بسبب التحيز الإعلامي، مما يجعل التوثيق محاولة يائسة لتحقيق العدالة.
في هذا السياق، يبرز دور السينما والفن كأداة فريدة لسرد قصص مؤثرة، لزيادة الوعي، ولمس القلوب. وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه المخرج رامي القصاب من خلال فيلم “فقدان”: تسليط الضوء على قصص تُروى عادةً في صمت.
في جوانب عديدة، يعمل فيلم “فقدان” كوثيقة إنسانية. وبينما يتهاوى نظام الأسد في سوريا ويحتفل المنفيون السوريون ببوادر التغيير، لا يسع المرء إلا أن يتساءل عن حجم الخسائر التي تكبدوها هم وغيرهم من ضحايا الحروب والإبادة على يد الأنظمة الحاكمة.
وفي الوقت الذي تعيش فيه السودان وغزة أهوالًا لا يمكن تصورها من الإبادة الجماعية، ومع غموض مستقبل سوريا، يبقى الأمل أن تُلهم قصص الناجين المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات حقيقية بدلًا من أن يُصاب باللامبالاة تجاه معاناة الشعوب.