نشر هذا الحوار في عدد ديسمبر : حمل العدد مجانا من هنا
حوار الحبيب الطرابلسي
لنا ان نتخيل تأثير رفضنا للاختلاف في مجتمع قرر أن نعيش متشابهين, اختلافات عديدة منحصرة في ثلاثية الدين و الجنس والسياسة,هذا المثلث الذي يجعلنا نضيع داخل متاهة صعبة الخروج أو الهروب . رفض يجعل العديدين يبحثون عن مفر مهما كانت العواقب وميقال(شخصية الفيلم) لم يقرر الهروب قصد الاختباء بل قرر المفر لعيش حياة أخرى في محيط أخر و مجتمع أرحب يبحث في زواياه عن تفاصيل جديدة أو يبحث عن نفسه و سعادته الشخصية…هذه الرحلة والنبش في الذاكرة و محاولة تفكيك أصعب اللحظات عشناه في عرض الفيلم الوثائقي ’’أعنف حب’’ للمخرجة اللبنانية أليان راهب ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج السينمائية. فيلم تعددت فيه الوسائط الفنية واختلفت خلاله الرسائل وتباينت حوله الآراء…
بشخصيته المرحة والتلقائية و طبعها الهادي و نظراتها الثاقبة,التقينا بميقال شخصية الفيلم و إليان راهب مخرجته. لقاء نبشنا خلاله عن تفاصيل و كواليس فيلم وثائقي يأخذك في رحلة كشف الواقع الصعب و تعرية أفكارنا و مخلفات ثقافاتنا.حوار بلا شروط ولا قيود حول الفلم فنيا وتقنيا وإخراجيا ….
س.ع: مبروك العرض العربي و الإفريقي الأول للفيلم. لننطلق من بداية الرحلة في أيام قرطاج السينمائية, شاهدنا تقديما سلسا و هادئ للفيلم بالرغم من ’’ خوف أو حذر’’ من عرض الفيلم أمام الجمهور العربي.
ميقال: في الحقيقة أنا قدمت الفيلم في البرلينار وكان أول تقديم و لم أشعر بخوف أو رهبة لكن في العرض الخاص في لبنان و بالرغم من أنه عرض أمام مجموعة مغلقة شعرت بالخوف وهنا في قرطاج كذلك كان ينتابني خوف داخلي … أنا أخاف من العالم العربي أو دعني أقول أخاف من ’’ SWANA’’ منطقة ’جنوب غرب آسيا و شمال إفريقيا’ ,فمنطقتنا مؤذية و آذتني كثيرا و ستظل تؤذي الناس طالما لم تتغير … وأنا أعتبر أن هذا الفيلم سيساهم في تغيير ملامح المنطقة.
س,ع: إليان,عندما قررتي أن تقومي بهذا الفيلم مع ميقال بالذات ما الذي دفعك لأخذ هذا القرار مع شخصيته وليس مع أناس آخرين أو الموضوع من ناحية أخرى.
إليان : أنا في أفلامي ابحث عن معاني وقضايا ولا ابحث فقط على شخصية وهناك أشخاص قصصهم وحياتهم تجعلك تكتشف المعاني التي يمكن أن تصنع فلما. وبالنسبة ’’لأعنف حب’’,عندما التقيت ميقال صدفة في اسبانيا في ندوة لفيلم أين كان يؤمن الترجمة تجاذبنا الحديث ووجدته يلقي بنفسه و قصصه عليّ ,حدثني عن تفاصيل و قصص عاشها و سجلت وقتها 9 ساعات معه .ففي اللحظة التي تحدث فيها معي عرفت أنه في حاجة لي, ومع مسيرة حياته المليئة بالمعاني والتي تطرح قضية أنه في مجتمعاتنا يتدخل الدين و العائلة و السياسة في حياتك و هويتك الشخصية و يدفعونك لرفض نفسك ومن هنا فكرنا في أن نفكك مفاتيح القصة والعقد الناتجة عنهم و رصد نقاط الضعف فيها ونعيد ترتيب جديد لحياته لمساعدته في استرجاع كرامته التي مسحها ثلاثي العائلة والدين و السياسة.
س,ع:قرار أنك تكشف تفاصيل حياتك التي عاشت مكتومة في داخلك من سنين,لم يكن صعبا؟ كيف خلقت علاقة الثقة مع إليان؟
كنت في حاجة لمشاركة حياتي خارج الدوائر المغلقة التي أعيش داخلها,فمحيطي الضيق يعرف قصتي بالتفاصيل لكن كنت في حاجة للتخلص من حبسها عندي . وبالنسبة لموضوع الثقة مع اليان , أنا أؤمن بالطاقة في العلاقات وهي التي تحدد معايير تعاملي وتواصلي مع الأشخاص و أنا أحسست هذه الراحة مع اليان.وهناك نقطة أخرى جعلتني أصبح كتاب مفتوح لاليان هو نظراتها لي عندما كنت احكي لها قصتي أول مرة, هناك ناس يستمعون لك فقط لكن اليان كانت تنصت و تنظر لي عن كثب و لهذا قلت انها شخصية مهتمة بقصتي بالفعل. وعلى طول تعاملنا في صناعة الفلم عشت لحظات خوف لكن كل مرة كانت تبرهن لي أنها جديرة بالثقة ولها في هذا جملة بقت راسخة في ذهني ’’تأكد أنني معك ولست ضدك ’’.
س,ع: قلنا أن الفيلم يمكن أن يغير نظرة المشاهدين بخصوص بعض المواضيع لكن ما تأثير الفيلم على ميقال؟
ميقال: تأثير كبير…أنا أقول انه يوجد ميقال قبل الفيلم و ميقال اخر بعده, أعتبر أن تاريخ أول عرض للفيلم هو تاريخ ميلاد جديد لي وهو يوم 16 جوان 2021 حين عرض الفيلم أمام الجمهور في البرلينال.
س,ع: في الفيلم سمعنا كلمة ’كذب’ و اكتشفنا قصص وهمية… هل كان عندك خوف من اكتشاف حقيقة قصص أخرى من خيال ميقال تم بناء الفيلم عليها؟
إليان: عند أول مقابلات مع ميقال سجلت كل كلامه و تعاملت مع المعلومات على أساس انها المرجع بالنسبة لي أو نص أدبي و عند تصوير الفيلم بلبنان اكتشفت أن بعض القصص تغيرت ولاحظت شرخا بين ما قاله في برشالونا وما حكاه في لبنان عندما كنا على ارض الواقع ,لن أخفي عنك أنه انتابني خوف من بناء الفيلم على معلومات ليست دقيقة لكن قلت أن هذا عادي و إن ما حصل يعبر عن حالته النفسية و يدل عن صعوبة قص حياته خاصة انها سببت له مخلفات نفسية صعبة وافتكرت أن ذاكرة الإنسان تنتقي ما تريد استحضاره…
س.ع: كيف تقبل جمهور أيام قرطاج السينمائية الفيلم ؟
ميقال: في العرض الأول في قرطاج,حصل موقف جعلني بدون إليان عند انتهاء الفيلم واستقبال الجمهور وأفتكر أن مجموعة من النساء هاجمنني عن استخدامنا لمشاهد عري و الحديث عن الجنس بالوضوح و حرية و الأسئلة المطروحة خلاله و في ذاك الحين افتكرت النصيحة الذهبية لإليان ’’ عندما يهاجمك شخص في نقاش حافظ على هدوءك واستمع إليه’’ و بالفعل قمت بذلك و أجبتهن أن هذه حياتي ولم نكن ننوي الكذب أو صناعة قصص بل كنا نتحدث عن حياتي بحرية.
س,ع: الفيلم يجمع بين التوثيق و محاورتك لميقال وإعادة التجسيد والبحث عن الشخصيات في المسرح و كذلك التحريك و الصور
انا استخدمت في الفيلم مراجع عديدة , الميتولوجيا و علم النفس و المسرح وهذه الحرية التي تقدمها لنا السينما لكن في ذات الوقت أنا استعملت الصورة و الصوت لتحررينا من كل ما نخاف منه؛ العائلة ,الحب ,الدين والأسئلة المرتبطة بالحياة و بالنسبة للتحريك كانت تستجيب للمواضيع المحظورة التي من الصعب تصويرها و في ذات الوقت تجعلنا نعيش حالة الفانتازيا التي يخلقها اللاوعي في بحث عن المعاني.
خلال الفيلم شاهدنا لقطات فيها مواقف درامية أو وضعتي ميقال في لحظات مصعد عاطفي و خيبات أمل في مقابلته للشخص الذي أحبه. هل ميقال كان على علم بموضوع اللقاء و البحث عن ’’طوني’’؟
إليان: أولا في أفلامي الوثائقية أحاول دائما خلق مواقف لمزيد التعرف أكثر على الشخصية كي لا يقع الفيلم في الرتابة, بالنسبة ل’طوني’’ ليس هو المهم في الفيلم بل ردت فعل ميقال عند الالتقاء به,وهذا ما حصل , إذ انه كان متلازم مع صورة شخص عرفه في سن الـ17 , و شفنا في الفيلم كيف كان ميقال عند مقابلة طوني و خيبة الأمل التي حصلت لكن إكتشفنا أصلا أنه كان يمثل له الحماية أو دور الأب و هذا ما عرفناه في آخر الفيلم.
هل هناك عروض جديدة للفيلم ؟
إليان: عرض قرطاج هو العرض الأول في العالم العربي و أضن أنه الأخير, لكن الفيلم له عند عروض مبرمجة قبل انتهاء السنة,قمنا بالعروض في اسبانيا ولنا موعد كذلك في مهرجان كويير بمولدوفيا بالإضافة لعروض بروما و فييانا و عدة دول أخرى و مهرجانات.