“فعل مقاومة ضروري”: أفلام تقصف النسيان بلا هدنة

You are currently viewing “فعل مقاومة ضروري”: أفلام تقصف النسيان بلا هدنة

“فعل مقاومة ضروري”: أفلام تقصف النسيان بلا هدنة

في زمن يغرق فيه العالم في صخب لا ينتهي، تحتشد فيه الشاشات بما ينسينا أحيانا إنسانيّتنا، تأتي بعض اللحظات كضوء يخترق العتمة، يحمل نداء واضحا: “لا تنسوا”. بين عدوان جديد على لبنان واستمرار آلة الاحتلال الإسرائيلي في غزة مشروعها القائم على الإبادة الجماعية، يقدم موقع “أفلامنا اون لاين” مساحة للذاكرة، للنضال، وللرؤية.
إلى غاية 29 جانفي 2025، يخصص “أفلامنا اون لاين” منصّته لعرض أفلام وثائقية وروائية قصيرة وطويلة تحت عنوان “فعل مقاومة ضروري”. هذا الشعار يبرز كتصريح وجودي، وكدعوة لأن تتحوّل الكاميرا من مجرد عين صامتة إلى صوت يصرخ، يُقاوم، ويوثق.
سيكون الجمهور على موعد مع أعمال سينمائية تنبض بروح النضال. بعض هذه الأفلام تعود إلى السبعينيات، مثل فيلم “ليس لهم وجود” (1974) للمخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي. يعكس هذا الفيلم مأساة مخيّم النبطية في جنوب لبنان، مستوحيا عنوانه من تصريح غولدا مائير، رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي، التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني. لكن الفيلم يثبت العكس، فصوره تظهر واقعا يستحيل إنكاره.

فيلم “ليس لهم وجود”

في المقابل، يحتضن برنامج هذا الشهر أفلاما حديثة تُركّز على العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006. نذكر منها:
“ما بعد” للمخرج غسّان سلهب، شريط مدته 30 دقيقة يلتقط الغياب والحضور بعد العدوان.
“بلا عنوان (إلى المواطنين اللبنانيين)” لعلي شري، فيلم قصير مدته 3 دقائق يوثّق تدخل الاحتلال الإسرائيلي في بثّ إذاعة صوت الشعب.
“15 آب، مدرسة رمل الظريف” و”بنت جبيل 1 – محمد – جنوب لبنان”، للمخرجة رانيا اسطفان، اللذان يقدّمان مشاهد حميمية للحياة اليومية للبنانيين أثناء الحرب وبعدها، بعيدا عن الصور المبالغ فيها التي ملأت وسائل الإعلام.
“وجوه تصفّق لوحدها” للمخرج أحمد غصين، فيلم مدته 7 دقائق يتأمل الحطام والأسى بعد الحرب.

يأخذ البرنامج منحى إنسانيا أعمق مع أفلام تُركز على الأطفال وتأثير الاحتلال والحروب على حياتهم. فيلم “أطفال.. ولكن” (22 دقيقة) للمخرجة خديجة أبو علي حباشنة، يُقدّم صورة مؤثرة عن أطفال تل الزعتر الذين فقدوا والديهم خلال حصار عام 1976. الفيلم يسلط الضوء على ظروفهم الإنسانية والمعيشية، كاشفًا المفارقة المأساوية بين طفولتهم وواقعهم القاسي.

فيلم “أطفال…ولكن”

وفي سياق مشابه، تستحضر أفلام مثل “من بيروت إلى… يللي بيحبّونا”(4 دقائق) المذكرات الصوتية والمرئية للحرب، حيث تمتزج الأغاني بأصوات القذائف، لتُبرز الألم والكرامة التي تعتلي الوجوه الصامتة.

فيلم “15 آب” مدرسة رمل الظريف

السينما في هذا البرنامج ليست للترفيه، ولا حتى للبكاء على المآسي. إنها فعل مقاوم، مستمر، ودائم. الأفلام هنا تُقدّم رواية مختلفة عن تلك التي تبث على الشاشات الدولية المنحازة. إنها تخبرنا بأنّ الإنسان الذي يُقاوم العدوان لا يقف وحيدا، بل يحمل معه حكايات شعب بأسره، أحلامهم، وآلامهم.

مع انطلاق هذا البرنامج في 2 جانفي 2025، فإنّ مشاهدة هذه الأفلام ليست نهاية الحكاية، بل بدايتها. أن تشاهد فيلما يعني أن تُدرك جزءا من الحقيقة، وأن تُدرك الحقيقة يعني أن تزرع بذرة الوعي، وبذرة الوعي هي أوّل الطريق نحو التغيير.
ربما تبدو الصورة في بعض الأحيان عاجزة أمام دويّ القنابل، لكنّها تحمل قوة لا يُمكن تجاهلها: قوّة أن تروي حكاية من لا صوت له. “فعل مقاومة ضروري” ليس مجرد برنامج أفلام، بل هو دعوة إلى الانخراط في معركة أبدية بين النسيان والذاكرة، بين الظلم والعدل، بين الموت والحياة.

عبير العقربي