فيلم أرزة: “عندما تلاحق دراجة… فتتعثر ببيروت”

You are currently viewing فيلم أرزة: “عندما تلاحق دراجة… فتتعثر ببيروت”

فيلم أرزة: “عندما تلاحق دراجة… فتتعثر ببيروت”

في عالمنا العربي، تصارع الشعوب من أجل البقاء وسط أزمات لا تنتهي. حروب طائفية، انقسامات سياسية واجتماعية، وكأن التاريخ يعيد تشكيل الخرائط بأساليب أكثر قسوة. ومن بين هذه الشعوب، يبرز لبنان كنموذج حي للصراع الذي يمزج بين الجمال والألم، وبين الوحدة والانقسام. وبيروت، هذه المدينة التي حملت على كاهلها أحلام شعب بأكمله، تتحول إلى مرآة تعكس تناقضات الحياة في أول عمل سينمائي للمخرجة ميرا شعيب.   
في الدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية، وتحديدا ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، عُرض فيلم “أرزة” ليمنح الجمهور نافذة على بيروت، المدينة التي تخفي خلف زخمها وصخبها قصصا إنسانية تنبض بالواقعية والحلم. العمل الذي يحمل بصمة ميرا شعيب الإخراجية الأولى، يأخذنا في رحلة بين أحياء المدينة الممزقة، حيث تتحول الدراما اليومية إلى ملحمة إنسانية عالمية.

“سكوتر”…عندما تلهو بك الحياة

رزة، الأم التي تعيش على ما تجود به الحياة من فرص بسيطة، تبيع المخبوزات من منزلها وتعاونها في ذلك خطوات ابنها كنان، الذي يوصل الطلبات متنقلا بالمواصلات العامة وسط شوارع بيروت المكتظة بالمتظاهرين الغاضبين على الأوضاع الاقتصادية والسياسية. رغم صعوبة الحياة، تخطط أرزة لشراء دراجة نارية (سكوتر) لتوسيع نشاطها، لكنها لا تجد سبيلا لتحقيق ذلك سوى رهن السوار الذهبي لشقيقتها ليلى، آخر ذكرى باقية لها من زوجها المفقود. 
في عيد ميلاد كنان الثامن عشر، تقدم له أرزة الدراجة كهدية وفرصة لتخفيف أعباء الحياة اليومية. سرعان ما تتحول الهدية إلى نقمة، إذ تسرق الدراجة، وتبدأ أرزة وكنان رحلة طويلة للبحث عنها، تنقلهم بين مناطق بيروت المتباينة. طائفيا واجتماعيا، حيث تتجلى الانقسامات التي تعصف بالمجتمع اللبناني.
رغم خصوصية القصة المستوحاة من واقع بيروت، تنجح شعيب في خلق سرد عالمي بفضل العلاقات الإنسانية العميقة التي تربط الشخصيات. من خلال التوترات الطائفية والخلفية الاجتماعية والسياسية، يقدم الفيلم رؤية تعكس التحديات التي تواجهها المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، مما يمنحه طابعًا عالميا يصل للجمهور بمختلف ثقافاته. 

بيروت كلوحة حية 
رحلة البحث عن الدراجة المسروقة تتعدى إلى كشف عمق التمزق في نسيج بيروت الاجتماعي. تتنقل الكاميرا بين الأحياء المسيحية والسنية والشيعية، لتبرز كيف تعيش كل طائفة في عالمها الخاص المشحون بالشكوك وعدم الاطمئنان تجاه الآخر. في مشاهدها، تبدو بيروت مدينة مرهقة. شوارعها تضج بالتظاهرات، ووجوه ناسها تعكس صراعا يوميا للبقاء. 

رغم البساطة الظاهرة في الأسلوب البصري للفيلم، حيث اعتمدت المخرجة على اللقطات الواسعة التي تضم شوارع بيروت وأهلها، فإن استخدام اللقطات المقربة خلال الحوارات الثنائية أضاف بعدا نفسيا عميقا، حيث تتجلى مشاعر القلق والخوف والأمل التي تعصف بالشخصيات. الألوان أيضا لعبت دورا بارزا، بين الأحمر الذي يرمز للخطر والطموح، والأزرق الذي يعكس الألم والسعي للسلام، لتشكل بانوراما بصرية تعكس تعقيد المشاعر الإنسانية.
تُجسد دياموند أبو عبود شخصية أرزة بأداء مفعم بالإصرار والحس الساخر، ما يجعلها قريبة من الجمهور رغم ما تمر به من أزمات. على الجانب الآخر، يعكس كنان بطموحه للهجرة وإحباطه من الواقع صراع الجيل اللبناني الشاب مع واقعٍ يفتقد الفرص. أما ليلى، الأخت التي تعيش على أطلال الماضي، فتجسد حالة الانطواء والعجز عن مواجهة الحاضر. وتأتي صاحبة متجر الهدايا كنسمة خفيفة تضفي على العمل روحًا مرحة تخفف من وطأة الأحداث. 

استغرق تصوير الفيلم 23 يوما، وشمل 21 موقعا مختلفا في بيروت، حسب تصريح المخرجة. ما أتاح لشعيب تقديم صورة أصيلة للمدينة وسكانها. التعاون الوثيق مع السكان المحليين أضفى روحا خاصة على العمل، حيث كان الحماس والترحيب بالمشروع واضحين في كل زاوية. 

“أرزة” يقدم رسالة إنسانية عميقة تعكس صراع البقاء والأمل، ليس فقط في لبنان، بل في كل المجتمعات التي تواجه الأزمات. فيلم “أرز” يذكرنا بأن السينما، حتى في أحلك الظروف، قادرة على تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية العميقة، مما يجعلها أداة للتغيير والتأمل.