في عالم مليء بالصخب والتكنولوجيا المتطورة، نجد أن السينما ليست مجرد وسيلة ترفيهية بل هي نافذة تطل على عوالم مختلفة، مليئة بالأحلام والقصص والتجارب الإنسانية. عبر شاشة السينما، نسافر إلى أزمنة وأماكن لم نتخيلها، نعيش قصصًا ملهمة، ونستكشف عوالم مجهولة. ولكن ماذا لو استيقظنا يوما ما لنكتشف أن السينما لم تكن موجودة أبدا؟ كيف سيكون شكل الحياة بدونها؟ ماذا سيكون مصير تلك اللحظات الساحرة التي تجمع بين الناس في قاعات السينما، والحوارات العميقة التي تولد من مشاهدة فيلم مؤثر؟
أول ما يتبادر إلى الذهن هو الفجوة الهائلة التي ستتركها السينما في عالم الخيال والثقافة الشعبية. الأفلام تلهمنا، تشكل تصوراتنا وتؤثر على أحلامنا. من دونها، قد نفتقر إلى مصدر هام من مصادر الإبداع، مما قد يجعل الحياة أقل إشراقا وتنوعا. بدون السينما، سنفقد أيضا وسيلة قوية لنقل الرسائل الاجتماعية والسياسية، ولإيصال أصوات المهمشين، ولتحفيز التغيير والإصلاح.
لطالما مثل الفن السابع محركا لتطور التقنيات والهياكل السردية. لقد دفعت حدود الخيال وأدت إلى استكشاف موضوعات معقدة. غياب السينما قد يؤثر على طبيعة السرد، مما يجعله أقل ديناميكية من حيث التصور البصري وأقل غمرا من الناحية العاطفية. الأدب والمسرح كانا سيحتلان الواجهة في غياب الصور المتحركة، ولكن هل كان بإمكانهما تقديم نفس التأثير البصري والعاطفي؟ لا يمكن أن أجزم ذلك…
تلعب الأفلام دورا لا يمكن إنكاره في حفظ اللحظات التاريخية، الأحداث البارزة والمعالم الثقافية. للصورة المتحركة القدرة على تجاوز الزمن، مما يسمح للأجيال المستقبلية بمعايشة الماضي عن كثب. بدون السينما، كان اعتمادنا لفهم الأحداث التاريخية سيتركز بشكل أكبر على السرد المكتوب والأشياء، مما قد يفقدنا جزءا من الارتباط العاطفي والفورية التي توفرها السينما.
هذا الفن الذي لا مثيل له، هو تجربة مجتمعية تجمع بين مختلف الناس في غرفة مظلمة أمام شاشة كبيرة وتخلق شعورا مشتركا بالدهشة، الضحك والتأمل. من منا لا يتذكر أول فيلم شاهده في قاعات السينما، سواء رفقة العائلة أو الأصدقاء؟ تخيل كيف كانت ستكون حياتنا بدون تلك اللحظات التي نشعر فيها بالانتماء إلى جمهور كبير يشاهد نفس القصة ويشعر بنفس الأحاسيس.
من ناحية أخرى، لا يمكن انكار دور السينما في حفظ الذاكرة الشعبية واثبات هوية الشعوب. الأفلام الفلسطينية، على سبيل المثال، تظهر صمود الشعب الفلسطيني وتنقل قصصه ومعاناته إلى العالم، مما يعزز الهوية الوطنية ويخلق نوعا من التوثيق الحي للتاريخ. غياب الأفلام كعامل محفز للتغيير الاجتماعي كان سيبطئ من الاعتراف والفهم لهذه القضايا، مما يعوق التقدم في الحركات الاجتماعية العدلية.
كما أن عالم الفن السابع، هو وسيلة تمكن من خلالها العديد من السينمائيين من طرح مشاكل إنسانية والعلاقة الجدلية بين الأنا والآخر. ولعل ذلك يبرز بشكل كبير في أعمال المخرج التونسي النوري بوزيد، الذي لم يكف عن النبش في الإنساني والتماثل الاجتماعي من خلال عرض تجارب فردية تعكس تعقيدات الحياة وتحدياتها. ونذكر مثالا عن ذلك كل من أفلامه “ريح السد” و”صفايح ذهب” وغيرهما.
حتى الحياة الفردية كانت ستتأثر بشكل كبير. السينما كانت وما زالت مصدرا للهروب، الترفيه والإلهام لملايين عشاق الأفلام. العديد من المهن في التمثيل، الكتابة، الإخراج وصناعة الأفلام كانت ستتضاءل بدون وجود هذا الفن.
في النهاية، السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي جزء أساسي من نسيج حياتنا الثقافية والاجتماعية. غيابها كان سيترك فراغا كبيرا، مما يجعل من الصعب تخيل عالم بدونها. فهل يمكن أن تكون الحياة بدون سينما؟ ربما، لكن العالم سيكون بالتأكيد أقل تنوعا وجمالا.