في عالم السينما، تعد القضايا السياسية والاجتماعية من أهم المواضيع التي تثير الجدل وتلهم المخرجين لإنتاج أعمال تعكس واقع المجتمعات وتسلط الضوء على الظلم والانتهاكات. ومن بين هذه القضايا، لا يمكن إغفال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي استمرّ لعقود ولا يزال يشكل جزءا لا يتجزأ من الواقع في الشرق الأوسط.
على الرغم من أن السينما العربية كانت دائما مهتمة بتسليط الضوء على قضية فلسطين ومعاناة شعبها، إلا أن هناك تيارا من المخرجين الإسرائيليين الناقدين قد أسهموا أيضا في إبراز الانتهاكات الإسرائيلية وفتح النقاش حولها. من خلال أعمالهم السينمائية، قدم هؤلاء المخرجون صورة نقدية للواقع السياسي والاجتماعي في إسرائيل، مسلطين الضوء على التحديات التي يواجهها الفلسطينيون والانتهاكات التي يتعرضون لها.
“آري فولمان” يعد واحدا من المخرجين الاسرائيليين الذين عرفوا بجرأتهم في تناول المواضيع الانسانية. من خلال فيلمه “Waltz with Bashir”، الذي تم إنتاجه بتقنية الرسوم المتحركة، يقدم “فولمان” نظرة نادرة على دراما الحرب من خلال عيون الجنود الإسرائيليين، موثقا بذلك جرائم الاحتلال الصهيوني بشكل مؤثر.
تتميز أعمال فولمان بجرأته في تناول المواضيع الحساسة. مع استخدامه للسريالية المخيفة والإيحاءات المجازية، يخلق فولمان تجربة سينمائية مؤثرة تترك انطباعا عميقا لدى المشاهدين، وخاصة من خلال مشهد الكلاب في بداية الفيلم الذي يرمز إلى العنف والفوضى الناتجة عن الحروب. يتجلى وضوح هذه الرسالة أيضا في مشهد النواح في نهاية الفيلم، حيث يبرز الدمار الذي تركه الصراع على الأفراد والمجتمعات. ولعل ذلك ما يجعل “Waltz with Bashir” صرخة سينمائية ضد العدوان الإسرائيلي القاسي.
وفي نفس التوجه، يحضر “عيران ريكليس” مخرج فيلم “العروس السورية”، الذي يسرد قصة عروس من شمال فلسطين، تتعرض للاغتصاب من الصهاينة قبل أيام قليلة من زواجها من رجل سوري. وهو عمل يقدم نظرة عميقة على التحديات التي يواجهها الفسطينيون في المناطق المحتلة.
وفي أفلامه اللاحقة مثل “شجرة الليمون” و”زيتون”، يستمر “ريكليس” في تسليط الضوء على آثار الحرب على الأفراد والمجتمعات، ويبرز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل واقعي ومؤثر.
عن طريق تصوير قصص الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها الناس في فلسطين، يعمل ريكليس على إيصال رسالة إنسانية قوية تدعو إلى التفاهم والتضامن عبر الحدود. يعكس هذا التوجه رغبته في تشجيع الحوار والتفاهم بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتعزيز الوعي بالقضايا الإنسانية المشتركة التي تجاوز الصراعات السياسية.
الفيلم الإسرائيلي “المستقبل” من إخراج “ناعوم كابلان” يقدم رؤية جريئة ومثيرة للجدل حول التوترات السياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. يبرز كابلان من خلال شخصياته المعقدة، مثل المحققة الإسرائيلية والفلسطينية يافا، تضادات ومواقف الفئتين المتناحرتين ويسلط الضوء على التحديات الإنسانية التي تواجهها كل منهما.
أما المخرج الإسرائيلي الآخر آفي مغربي، فقد أظهر توجها مشابها في أفلامه التي تناولت مواضيع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مثل فيلمه “Avenge But One of My Two Eyes) ” الذي يسلط الضوء على معاملة الجنود الإسرائيليين للفلسطينيين. بتصويره لتجاوزات الجيش الإسرائيلي وانتهاكات حقوق الإنسان، يوفر “مغربي” منبرا للنقد السياسي والاجتماعي في إسرائيل.
باختصار، يمكن القول إن السينما الإسرائيلية تتنوع في تصويرها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تظهر بعض الأعمال بطابع نقدي وتسلط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية، لكنها لا تصبح دائماً مؤيدة بشكل تام للقضية الفلسطينية.