في شمال شرق فرنسا، حيث يلتقي التاريخ الصناعي لبلدة فاميك مع تنوعها الثقافي، ينطلق من 2 إلى 12 أكتوبر مهرجان الفيلم العربي في نسخته السادسة والثلاثين. منذ تأسيسه نهاية الثمانينيات، أصبح هذا المهرجان أشبه بمرآة تعكس التحولات السياسية والاجتماعية في العالم العربي، لكنه هذه السنة يتخذ بعداً إضافياً مع إختيار السينما اللبنانية,ضيفة شرف الدورة.
اختيار لبنان كضيف شرف ليس محض صدفة. بلدٌ مثقل بالأزمات السياسية والاقتصادية، لكنه لم يتوقف عن إنتاج صور وأفلام تحاول أن تروي – رغم كل شيء – الحياة اليومية، والذاكرة، والجرح المفتوح. من أرزة للمخرجة ميرا شعيب، إلى فيلم دفاتر مايا لثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج، مروراً بالتحفة النسوية النادرة ليلى والذئاب لهيني سرور، تبدو البرمجة كرحلة عبر سينما لبنانية تتأرجح بين الحميمي والملحمي.
ولأن المهرجان لا ينغلق على حدود بلد واحد، فقد جمع في دورته الحالية أكثر من مئة عرض من نحو أربعين دولة. من غزة وسوريا إلى المغرب والجزائر، ثم إلى أفغانستان وإيران عبر قسم “انفتاح على العالم”، تأتي الأفلام محمّلة بأسئلة شديدة المعاصرة: المنفى، الحرب، الجسد كأرض معركة، والذاكرة كأرشيف مقاومة.
المشاركة التونسية هذه السنة أتت متنوعة من حضور الممثل مجد مستورة كعضو لجنة تحكيم إلى مشاركة فيلمي شهيلي للحبيب العايب و وين صرنا لدرة زروق في مسابقة الأفلام الوثائقية و فيلم قنطرة لوليد مطار في مسابقة جمهور الشباب أين يشاركه في مفس القسم فيلم سماء بلا أرض للمخرجة أريج السحيري المشارك كذلك في مسابقة الأفلام الروائية
لكن بعيداً عن النجوم، يكمن جوهر المهرجان في النقاشات التي تتولّد بعد العروض، حين يتحوّل المشاهدون إلى شركاء في طرح الأسئلة أكثر من الاكتفاء بالتصفيق. تلك الحوارات – أحياناً حادة – بين الجمهور وصنّاع الأفلام والصحافيين تعطي للمهرجان نكهة خاصة، كفضاء ديمقراطي داخل قاعة مظلمة.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، راهن مهرجان فاميك على السينما العربية حين كانت شبه غائبة عن شاشات أوروبا. اليوم، وفي ظلّ النزاعات المستمرة من غزة إلى بيروت، يبدو الرهان أكثر إلحاحاً: السينما ليست ترفاً، بل ضرورة. إنها الطريقة التي يجد بها الناس، بعيداً عن عناوين الأخبار، فرصة لقول قصصهم بأصواتهم الخاصة.