في خطوة أثارت جدلا واسعا, أعلنت هيئة مهرجان كان السينمائي رفضها عرض مجموعة من الأفلام الفلسطينية، مما أثار تساؤلات عميقة حول مدى التزام المهرجان بمبادئ حرية التعبير والفن، ودوره في تعزيز الحوار الثقافي.
قرار الرفض وأبعاده:
أعلنت المنتجة السينمائية التونسية درة بوشوشة، خلال حضورها في برنامج “نجوم” في إذاعة موزاييك اف ام، أنه سيتم عرض 22 فيلما حول فلسطين على شاطئ مدينة كان الفرنسية داخل خيمة، خارج إطار الدورة 77 لمهرجان كان السينمائي المنعقدة من 14 إلى 25 ماي 2024.
وأضافت بوشوشة أن هيئة مهرجان كان رفضت عرض أفلام غزة، ولذلك تم اتخاذ قرار بعرض الأفلام على الشاطئ في خيمة مخصصة للغرض.
بالإضافة إلى رفض عرض الأفلام، يذكر أن هيئة مهرجان كان، أعلنت قبل ساعات من افتتاح فعاليات المهرجان عن حظر أي رموز فلسطينية تشير إلى التضامن مع قطاع غزة، رغم أنها كانت قد وافقت في البداية على ارتداء الفنانين العرب دبابيس تعبّر عن دعمهم وتضامنهم مع غزة. كما قرّرت مدينة كان الفرنسية حظر التظاهر وتنظيم المسيرات الاحتجاجية على طول شاطئ كروازيت، حيث تُقام التظاهرة السينمائية.
أوضح رئيس المهرجان، تييري فريمو، في مؤتمر صحفي أن المهرجان قرر هذا العام أن يكون “بدون جدلية” لضمان أن يكون الاهتمام الرئيسي هو السينما، قائلا: “إذا كانت هناك جدليات أخرى فهذا لا يعنينا”. هذا التصريح يعكس توجه إدارة المهرجان إلى تجنب أي نقاش سياسي يمكن أن يصاحب عرض الأفلام الفلسطينية.
يشار أن مبادرة “المسافة صفر”، أطلقها المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، وتتضمن 22 فيلما تم تصوير في قطاع غزة وسط الحرب. هذه الأعمال، التي يتراوح طولها بين 4 و6 دقائق، تبث على مدى ساعة ونصف تقريبا وتسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين في ظل الحصار والهجمات المستمرة.
ازدواجية المعايير:
يطرح قرار منع الأفلام الفلسطينية يطرح تساؤلات كثيرة عن ازدواجية المعايير في التعامل مع حرية التعبير. لماذا تمنح أفلام من دول وثقافات أخرى مساحة واسعة للعرض، في حين تقصى الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية؟ هذه الازدواجية تقوض مصداقية المهرجان وتثير الشكوك حول التزامه بالقيم التي يدعي الدفاع عنها.
إن حرية التعبير هي حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي وهي ضرورية لتعزيز الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة. قرار هيئة مهرجان كان برفض عرض الأفلام الفلسطينية يشكل انتهاكا لهذه الحرية ويعكس تقييدا غير مبرر لتنوع الأصوات والرؤى الفنية.
في ظل هذا الوضع، يبرز سؤال هام: هل تفقد السينما في العالم هويتها كأداة حرة للتعبير والتغيير الإجتماعي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تنجح السينما الفلسطينية في إيجاد طرق جديدة للوصول إلى جمهور عالمي رغم القيود المفروضة عليها؟
استكشاف هذه التساؤلات يمكن أن يفتح نقاشا أوسع حول العلاقة المعقدة بين الفن والسياسة، ودور السينما في نقل الحقائق وتحدي الروايات السائدة. في النهاية، تظل حرية التعبير الفني ضرورية لتعزيز الحوار الثقافي والفهم المتبادل، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تسامحا وانفتاحا.