من غزة إلى عمّان : تجربتي مع أفلام “من المسافة صفر”

You are currently viewing من غزة إلى عمّان : تجربتي مع أفلام “من المسافة صفر”

من غزة إلى عمّان : تجربتي مع أفلام “من المسافة صفر”

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة،

هذا ليس مقالا نقديًا لأفلام شاهدتها ضمن برنامج مهرجان عمان السينمائي الدولي – أول فيلم، بل هو محاولة لمشاركتكم تجربة عشتها، ومن خلالها عايشتُ أكثر من 20 قصة جاءت من غزة بعد الطوفان.

 نعم، إنها قوة السينما.

تضمن برنامج مهرجان عمان السينمائي الدولي عرضين لمجموعة أفلام قصيرة أنجزت ضمن مبادرة “أفلام من المسافة صفر, التي أطلقها وأشرف عليها السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي. هدفت المبادرة إلى دعم وتأطير عدد من سكان غزة لإنجاز أفلام قصيرة تعكس واقع المدينة التي تعيش أوضاعًا صعبة بسبب العدوان الصهيوني، والذي اشتد بعد طوفان الأقصى.

22 فيلمًا، 22 قصة، 22 تحديًا، 22 حكاية لم تروَ في نشرات الأخبار، ولن تستطيع قوى الاستعمار طمسها. صُورت هذه الأفلام بموارد شبه معدومة وفي ظروف صعبة وخطرة، لكنها نجحت في نقل روايات وسرديات من الداخل. هؤلاء لم يحتاجوا إلى ورش كتابة أو الاستعانة بصناديق دعم أو منصات للبحث عن قصص، بل كانوا يعيشون القصة ويشكلونها بأنفسهم. فرغم نقص المعدات المتطورة وعدم توفر الراحة النفسية والوقت الكافي، أنتجوا أفلامًا – رغم تفاوت جودتها – تستحق المقارنة مع أفلام طُورت وصُورت بموارد ضخمة.

شاهدت الأفلام في سينما الهيئة الملكية للأفلام، المسرح المفضل لدي في الأردن. هو مكان مفتوح في الهواء الطلق، حيث تلتقي الشاشات العملاقة مع سواد السماء وخلفية مباني مدينة عمان. يمنحك هذا المكان إحساسًا بالقرب من الأحداث التي تُعرض على الشاشة، مما يجعلك تتساءل في كل لقطة: ماذا لو كنتُ هناك؟ هل هم جزء من هذا المحيط القريب، أم مجرد انعكاس لصورة تختفي مع انتهاء العرض، تاركةً وراءها العديد من الصور والتساؤلات؟

نعم، إنها قوة السينما.

أشعر الآن بالحيرة حول أي فيلم أكتب عنه، وأي فيلم أختار؟ هل سيكون اختياري لفيلم معين ظلمًا لبقية الأفلام؟ لذلك قررت أن أتوقف عن الكتابة لبضعة أيام، وأعود في يوم اختتام المهرجان لأكتب عن الصور والقصص التي علقت بذهني.

11/07/2024، ها أنا أفي بوعدي وأفتح مجددًا لأكتب عما علق في بالي. أجد نفسي أسترجع كل الأفلام والصور والقصص التي شاهدتها قبل أسبوع، وأجزم أنها ستبقى في ذاكرتي. فالأفلام الصادقة والحقيقية لا تُمحى من الذاكرة.

نعم، إنها قوة السينما.

تنوعت الأفلام في قصصها وطرق تقديمها وأساليب إنجازها. شاهدنا أفلاماً تروي قصص من أُجبروا على مغادرة بيوتهم أو من تحولت بيوتهم إلى ركام. لن أنسى ذلك الغزاوي الذي نجا من ثلاث غارات في يوم واحد، ونجح في الصعود من تحت الركام. هناك من جعلنا نعيش لحظات القلق والخوف خلال الغارات الصهيونية وسبل البحث عن مكان آمن، ومن حملت الكاميرا للبحث عن فنانين قرروا دعم الأطفال من خلال الأنشطة والفنون، وغيرهم من القصص والتجارب.

هذه الأفلام التي تجوب العالم في مهرجانات السينما يجب أن تنتشر على أوسع نطاق. فهي وثائق بصرية وسوسيولوجية وإثنوغرافية تكشف لنا الحقائق بعيدًا عن الخط التحريري للقنوات ووكالات الأنباء، متجاوزةً الحدود التي تفرضها علينا وسائل التواصل الاجتماعي. تجعلنا نتساءل: “من هم الغزاويون؟” الشعب الصامد العنيد الذي يتمسك بالحياة والأمل، وأحيانًا يسخر من أقسى الظروف.

لن أعيد قراءة هذا المقال قبل نشره، ولن أفكر في أي قالب صحفي سيأخذ شكله. فهو فيض من المشاعر المختلطة بين الخوف والحماس، والعجز والخجل، أمام شعب اختار طريق المقاومة.

يُحسب لمهرجان عمان السينمائي الدولي دعمه للقضية الفلسطينية، ليس بالشعارات فقط، بل من خلال برمجته الفنية. إلى جانب عرض عدد من الأفلام الفلسطينية، ألغى المهرجان المظاهر الاحتفالية ليبرمج لقاءات ونقاشات حول تجربة أيام فلسطين السينمائية وطرق مبتكرة للوصول إلى جماهير واسعة لنشر السردية الفلسطينية.