فقدت الساحة الفنية العربية والمصرية، اليوم، أحد أبرز وجوهها وأكثرهم صدقًا وحضورًا، برحيل الفنان الكبير لطفي لبيب عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد صراعٍ مرير مع المرض وتدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة، حيث دخل العناية المركزة أكثر من مرة، قبل أن يسلم الروح بهدوء يليق بفنان عاش بهدوء وترك أثرًا لا يُنسى.
لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل، بل كان ضميرًا فنيًا حيًا، رجلًا تشبع بالوطنية ووهب نفسه لخدمة الفن بقناعة وإخلاص. هو أحد أبطال القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر المجيدة سنة 1973، ولم يفصل يومًا بين الميدانين: ساحة القتال وساحة الفن. فقد جمع بين البطولة العسكرية والبطولة الفنية، وعبّر عن قضايا مجتمعه بروح تحمل صدق الجندي وقلب الفنان.
رصيد فني استثنائي
منذ ظهوره، رسم لطفي لبيب مسارًا خاصًا له في السينما والدراما، قدم فيه أكثر من 100 فيلم سينمائي، وأكثر من 30 عملًا دراميًا، تنوعت بين الكوميديا والدراما، الواقعية والرمزية، تاركًا بصمة مميزة في كل ظهور له، حتى وإن كان في مشهد واحد.
قدّم أدوارًا لا تُنسى، أبرزها شخصية السفير الإسرائيلي ديفيد كوهين في فيلم السفارة في العمارة سنة 2005، والتي جسّدها بمهارة لافتة جعلت الجمهور يكره الشخصية دون أن ينسى أداء لبيب المتقن. كما شارك في أعمال ناجحة إلى جانب الزعيم عادل إمام، مثل عفاريت عدلي علام وصاحب السعادة، وغيرها من المسلسلات التي أكدت حضوره الثابت وسط نجوم الصف الأول.
ولم يكن لطفي لبيب مجرد ممثل مساعد أو داعم للنجوم، بل كان صانعًا للضوء داخل الكادر، يعرف كيف يترك أثره دون صخب، ويمنح الدور عمقًا حتى وإن بدت المساحة صغيرة. وقف إلى جانب فنانين صاعدين وساندهم، ليكون رفيق بدايات وصوتًا داعمًا دون تكلّف.
كاتب من قلب المعركة
إلى جانب التمثيل، حمل لطفي لبيب القلم وكتب من تجربته الشخصية، حيث قدّم سيناريو فيلم الكتيبة 26، مستلهمًا أحداثه من أيامه كمجند في صفوف القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، موثّقًا بطولات الجنود العاديين، أولئك الذين لا تسلّط عليهم الأضواء، لكنهم كانوا أساس الانتصار. كان فنانًا يحترم التاريخ ويؤمن بضرورة تحويله إلى سرد حيّ لا يُنسى.
وداعًا أيها الفنان الإنسان
كانت آخر مشاركة فنية له في فيلم أنا وابن خالتي، في عمل جمعه بنخبة من النجوم الشبان والكبار، مؤكّدًا أن العطاء لا يُقاس بالسن، بل بالرغبة في الاستمرار والشغف بالمهنة.
برحيل لطفي لبيب، يغيب وجه من وجوه الفن الأصيل، وصوت من أصوات الضمير الوطني والفني، رجل عرف كيف يكون ممثلًا دون تصنّع، وكيف يكون إنسانًا في زمن يُجيد فيه البعض التمثيل خارجه.
رحم الله الفنان والإنسان لطفي لبيب، وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان، وسنظل نردد: شكراً لأنك كنت هنا، لأنك تركت لنا ما يخلّدك في الذاكرة والوجدان.