من الرديف إلى الخلود… السينمائي علي العبيدي يترجل بصمت

في ليلة الحادي عشر من جوان 2025، طوت السينما التونسية واحدة من صفحاتها المضيئة برحيل المخرج والباحث السينمائي علي العبيدي، أحد أبرز أعلامها الذين أسهموا في تشكيل معالم الوعي السينمائي المحلي، والذين ربطوا بين الصورة والذاكرة، وبين الفن والتاريخ.

عن عمر ناهز الخامسة والسبعين، ودّع العبيدي الحياة في مدينته الأم الرديف، تلك المنطقة التي احتضنت طفولته وألهمت جزءًا كبيرًا من أعماله، فكانت حاضرة في رؤيته الفنية كما في اختياره لأن تكون محطته الأخيرة بين أهله وأحبائه.

ولد علي العبيدي يوم 10 فيفري 1950، ونشأ في بيئة طبعتها التحولات الاجتماعية والسياسية، والتي شكلت خلفية غنية لمشروعه السينمائي، الذي انطلق منذ مطلع الثمانينات، حيث حملت أفلامه القصيرة الأولى أبعادًا فكرية وثقافية عميقة، من بينها “تاريخ التاريخ” (1982)، و”رسالة إلى بشير خريف” (1986)، تكريمًا للأديب الكبير، إلى جانب “سينما قليبية أو السينما البديلة” (1986)، و”كان ما كان” (1992)، والتي عكست كلها انشغالاته الثقافية ورؤيته النقدية للمجتمع والفن.

أما في مجال الفيلم الروائي الطويل، فقد تميّز العبيدي بثلاثة أعمال لافتة، لكل منها بصمة خاصة وموقف من الواقع التونسي: “برق الليل” (1990)، و”الرديف 54″ (1997) الذي وثق لمرحلة مفصلية من تاريخ الجهة، و”الومبارا” (2007)، الذي شكّل منعطفًا فنيًا جديدًا في مسيرته.

لم يكن علي العبيدي مجرد مخرج يلتقط الصور ويؤلف الحكايات، بل كان باحثًا أكاديميا ومثقفا ملتزما، حمل همّ السينما البديلة والملتزمة، وسعى إلى بناء وعي سينمائي مختلف، قائم على سؤال الهوية والذاكرة والعدالة. وقد ترك من خلال أعماله إرثا فنيا وفكريا غنيا، يشهد على عمق رؤيته وأصالة مساهمته في عالم الصورة والكلمة.
ستُقام جنازة الفقيد اليوم بمدينة الرديف، على أن يُوارى جثمانه الثرى بمقبرة سيدي عبد القادر،، على الساعة السادسة مساءً. وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدّم النقابة المستقلة للمخرجين المنتجين بأحرّ عبارات التعزية والمواساة إلى عائلة الفقيد، وطلابه، وكل من عرفه وتأثّر بإبداعه.