في إطار الدورة الخامسة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة “بعيونهن”، انتظمت بدار جيلان في نابل، في 13 أكتوبر 2024، جلسة نقاشية بعنوان “الذكاء الاصطناعي والإبداع السينمائي: التوقعات، الدوافع والمخاوف”. جمعت الجلسة نخبة من الشخصيات البارزة في المجال السينمائي، وهم كل من المنتجة نورة النفزي، المخرجة شيماء بن شعبان، المخرج إبراهيم لطيف، والمديرة العامة لمركز تونس الدولي للاقتصاد الرقمي الثقافي سلوى عبد الخالق.
تطرقت الجلسة إلى قضايا محورية حول استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال السينما وتبعاته على الإبداع الفني.
استهلت الجلسة بتساؤل مهم حول مدى تسامح صناع الفن السابع في التعامل مع الذكاء الاصطناعي في الافلام، خاصة أن الكثير منهم يستخدم منذ أعوام تقنيات معالجة الصورة دون أي تحفظات. وطرحت سلوى عبد الخالق ضرورة الاهتمام بجمع وتحليل المعطيات، مشددة على أهمية المنافسة مع اللغات الأجنبية في هذا المجال، حيث لا تزال الإجابات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي باللغة الإنجليزية أكثر دقة وعمقا مقارنة بالعربية.
من جهته، أبدى المخرج إبراهيم لطيف رؤية ناقدة لاستعمال الذكاء الاصطناعي في الإبداع السينمائي، موضحا أنه بالرغم من التطور السريع للتقنيات، يجب أن لا نغفل أن خلف كل هذه الابتكارات هناك إنسان. وأكد في ذات السياق أن الإبداع يتجاوز مجرد الوسائل التقنية، داعيا السينمائيين إلى عدم الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في الكتابة وصناعة السيناريوهات، حيث أنه لا يحمل أي تأثير إبداعي حقيقي، بل قد يُفقد العمل طابعه الروحي.
وفي إطار المناقشة، تم تسليط الضوء على المزايا التي يقدمها الذكاء الاصطناعي على مستوى الإنتاج السينمائي، بما في ذلك السرعة والتكلفة المنخفضة. أشارت نورة النفزي إلى أنه يستخدم حاليا في مرحلة ما بعد الإنتاج، مثل تركيب الفيديو والترجمة والتوزيع، مستشهدة بشركة سويسرية تدعى “L’argo Film” التي تقدم حلولا رقمية للتوزيع السينمائي، مع توقعات دقيقة لنسبة نجاح كل طريقة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي التدخل حتى في عمليات اختيار الممثلين “الكاستينغ”، عبر تقديم توصيات حول مدى ملاءمة الممثلين لأدوار معينة.
لكن، يبقى الخلاف حول مسألة الإبداع حاضرا بقوة. أبدى ابراهيم لطيف تحفّظه الكبير على دور الذكاء الاصطناعي في الكتابة، موضحا أن تجربته مع هذه التكنولوجيا كشفت عن سطحيتها وقلة عمقها. واعتبر أن هذه الأدوات تفسد الطابع الإنساني والروحي الذي يتميز به الإبداع الفني، متسائلا عن جدوى الإبداع إذا كان المخرج لا يستطيع التعبير عن رؤيته الخاصة.
لم تكن الجلسة خالية من الحوارات حول هوية السينما العربية في ظل العولمة الرقمية. أشار الحاضرون إلى ضرورة تعزيز الهوية الثقافية العربية في مواجهة الهيمنة الأمريكية، معتبرين أن الثقافة الأمريكية ليست مصدرا للخوف لأنها تفتقر إلى الحضارة العميقة، على حد تعبيره. ودعا إلى الابتعاد عن التفاهة والسعي نحو ابتكار سينما جديدة تعبر عن الروح العربية.
الذكاء الاصطناعي في السينما، حسب ما تم التطرق إليه في الجلسة، يقدم وعودا كبيرة بالسرعة والكفاءة وتخفيض التكاليف، لكنه يحمل في طياته مخاوف حول فقدان الطابع الإنساني والإبداعي للعمل الفني. ورغم منح فيلم Imagine جائزة أفضل فيلم مصنوع بالذكاء الاصطناعي في أحد المهرجانات، إلا أن القلق من هيمنة الآلة على الفنون الإنسانية يبقى مطروحا بشدة.
ختاما، مثلت هذه الجلسة مساحة للتأمل والتفكير في مستقبل السينما مع تطور الذكاء الاصطناعي، ليبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى يمكن لهذه التكنولوجيا أن تكون جزءا من العملية الإبداعية دون أن تفسد جوهر الفن؟
عبير العقربي