فيلم “ليني افريكو”: دراما إنسانية في قلب الصحراء الليبية

You are currently viewing فيلم “ليني افريكو”: دراما إنسانية في قلب الصحراء الليبية

فيلم “ليني افريكو”: دراما إنسانية في قلب الصحراء الليبية

في عالم السينما، تبرز أفلام قليلة تتحدى المألوف وتنقلنا إلى عوالم مختلفة، مليئة بالتعقيدات الإنسانية. هذه الأفلام لا تكتفي بسرد القصص، بل تفتح نوافذ جديدة لفهم عمق النفس البشرية وتفاعلاتها مع الظروف القاسية.
أحد هذه الأفلام هو “ليني افريكو”، الذي شارك في مهرجان عمان السينمائي الدولي ، وهو أول أعمال المخرج التونسي “مروان لبيب”. هذا الفيلم يأخذنا في رحلة مميزة إلى الصحراء الليبية، حيث تمتزج قصص المهاجرين بمعاني الأمل والخيانة والبقاء.

يفتتح فيلم “ليني افريكو” بمشهد قوي في الصحراء، حيث تتناثر أصوات الرصاص وتتداخل اللغات بين العربية (اللهجة الليبية) والفرنسية. تجسد هذه الأصوات عالما متشابكا يجتمع فيه عدد من الرجال لنكتشف فيما بعد أنهم مهاجرون أفارقة، يشاهدون الأحداث من حولهم بعيون مليئة بالخوف.

تروى القصة على لسان الممثل الفلسطيني “محمد البكري”، الذي يجسد دور كاهن من قبرص، يعمل على تأليف كتاب يوثق فيه حكايات الشخصيات المختلفة في الفيلم. من بين هذه الشخصيات، نجد “عمر”، الليبي الذي رافقه في رحلته الطويلة. عمر هو شخصية محورية، اختار والده اسمه تيمنا “بعمر المختار”، المقاوم الشهير ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا. كان عمر مرشدا سياحيا، قبل أن يتحول إلى مهرب، ليبقى في نفس البيئة الجغرافية لكن بتغير جذري في المبادئ والأهداف.

تدور أحداث هذا العمل السينمائي في طرابلس المضطربة عام 2013، حيث يواجه محمد البكري، ضرورة أخلاقية ملحة قبل رحيله. يشعر الكاهن بأنه مجبر على مساعدة مجموعة من المهاجرين الذين لجؤوا إلى كهف ناء في الصحراء الليبية. يستعين الكاهن بعمر، المهرب المحلي الذي يعرف المنطقة بدقة. ينطلقان معا في رحلة محفوفة بالمخاطر للعثور على الكهف وإنقاذ المهاجرين.

يظهر مفهوم الإنقاذ بوضوح في الفيلم، إلا أن عمر يرفض هذا المبدئ رفضا قاطعا. في البداية، يبدو أن المخرج قد رسم شخصيته كرجل انتهازي، سيء الطباع وجشع، يقتصر عمله على الكسب المادي فقط. ومع ذلك، يتساءل المشاهد عن الأسباب التي دفعت عمر ليصبح بهذه الصورة السلبية. قد تكون التجارب المريرة والخيبات المتكررة وخذلان العائلة هي التي جعلت منه شخصا آخر، أو ربما يكون الشر خيارا فرديا بحتا.

في مشهد آخر، نجد عائشة، التي تمثل النقيض التام لعمر. دون تردد، تقدم المساعدة لمهاجر أفريقي دون أن يطلب منها ذلك. يتسم هذا المشهد بالصمت التام، حيث تُفهم تفاصيله من خلال ملامح الممثلين وإشاراتهم، مما يضيف بعدا رمزيا قويا للفيلم.

لعل أكثر ما يشد الانتباه في “ليني أفريكو” هي جمالية الصور والألوان المستوحاة من جمال الصحراء والمنازل الليبية. في البداية، قد يظن المشاهد أنه يشاهد فيلما أجنبيا خاصة أمام استخدام اللغة الإنجليزية، لكن سرعان ما تفاجئه الكلمات العربية لتدحض ذلك. تلفت الانتباه أيضا رسوم الكهف على الحجارة، فكأنط أمان مشهد من العصور الحجرية يقدم لغة بصرية تعبر عن مشاعر عجزت الكلمات عن نقلها.

ينتهي الفيلم بمشهد مؤثر، يجسد نظرة المهاجر الأفريقي الوحيد الناجي من الموت بين أصدقائه. نظرة تحمل في طياتها عديد المشاعر المكبلة… مشاعر تراوحت بين الخذلان والاستسلام والعجز، مما يترك المشاهد في حالة من التفكير والتأمل حول مصير الإنسان وتجربته في مواجهة الصعوبات. هذه اللقطة الأخيرة هي المفضلة بالنسبة لي، حيث تختزل عمق المعاناة البشرية وكفاحها.

“ليني افريكو” يقدم تجربة سينمائية غنية تجمع بين الدراما الإنسانية والجمال البصري، ليعبر عن قصص مؤثرة تكشف عن جوانب مختلفة من النفس البشرية في مواجهة التحديات.