شهدت قاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة اليوم، 23 سبتمبر 2025، العرض الخاص لفيلم “برزخ” للمخرج قيس الماجري، وذلك قبل انطلاق عروضه التجارية في القاعات ابتداءً من يوم غد.
منذ اللحظات الأولى، بدا أنّ الجمهور أمام تجربة سينمائية مختلفة عن السائد.، إذ تتقاطع فيها الفانتازيا مع الرعب النفسي، ويختلط الخيال العلمي بالأسطورة الشعبية، لتنشأ على الشاشة عوالم مشحونة بالرموز والدلالات حيث لا شيء يقينيا ولا حدود واضحة بين الواقع والخيال.
ينطلق الفيلم من صراع عائلي بين الأخوين رشيد ومختار. صراع قديم تشكل منذ الطفولة حول الميراث والسلطة، لكنه سرعان ما يتجاوز حدوده الضيقة ليتحول إلى مواجهة كونية إثر سقوط نيزك غامض من السماء، فتدخل الشخصيات في متاهة زمنية تتناوب فيها الأجيال على حمل أعباء هذه العداوة، ويتحوّل الخلاف من أرضي ملموس إلى برزخ لا يفنى، برزخ يختلط فيه الدم بالرماد وتتشابك فيه الأسطورة مع الذاكرة الجماعية.
في قلب هذه المتاهة تقف فرح (فاطمة ناصر)، الجسد الحي للنور، آخر ما تبقى من الأمل، امرأة تحمل بداخلها رمزية الأرض والخصوبة والحياة. يظهر عدوها المختار أو الشيخ (محمد السياري)، والذي يمثل الجانب المظلم من الوجود والقوة الغامضة التي تتغذى على الدم وتستمد طاقتها من الخراب والفناء. تبنى درامية الفيلم على هذا الصراع الثنائي بين النور والظلام، الخير والشر، ليصبح مسرحا مفتوحا على كل التأويلات الرمزية والفلسفية.
لكن “برزخ” لا يكتفي. الإضاءة، الإيقاع البطيء المتوتر، والكوابيس المتكررة تجعل القاعة تختنق بالصمت، وكأن الجمهور يعيش التجربة من الداخل. وفي لحظة ما، تسمع أنفاس المتفرجين تتسارع وكأنهم جزء من الحكاية.
يهيمن اللون الأحمر على المشاهد، يقتحم الكادر بين الحلم واليقظة، ويرافق الشخصيات في الكوابيس كما في الواقع.إنه رمز للخطر وإنذار دائم، يشير إلى حضور الموت في أدق تفاصيل المشهد. أما المؤثرات البصرية فلا تأتي كإبهار فارغ، بل كجسر يوصل المشاهد إلى منطقة ملتبسة بين الممكن والمستحيل، بينما يتكامل الصوت مع الصورة ليؤسس خطابا يذكّر بأن “الحياة وُلدت من النور”، وأن الشر، مهما تمكّن، يظل مؤقتا وعابرا.
لكن العمل لا يقدم جوابا شافيا، بل ينتهي كما بدأ، بدائرة مغلقة تعيد إنتاج المصير. الطفلة شهرزاد تُطل في المشهد الأخير كظل لأمها، أو كنسخة قد تواجه مصيرًا أشد قسوة، لتصبح النهاية بابا مفتوحا على الحيرة والشك. هذه النهاية تفتح المجال لتأويلات متعددة حول استمرارية الصراع الإنساني وعجز الأجيال عن التحرر من دوامة الشر.