السودان، ذاك البلد الجميل الآسر للقلوب. إن زرته، لتمتلكك السكينة والهدوء، وإن التقيت أحد أبنائه أو بناته، لسُحرت بجمالهم وتعدد خصالهم وثقافتهم. بلد، رغم قربه منا وقربنا منه، نجد أنفسنا ننسى آلامه ومحنه في خضم أحداث العالم المتسارعة.
لكن هند المدب، المخرجة التونسية، لم تدخر جهدًا لإيفاء هذا البلد العظيم حقه من الاهتمام من خلال أحدث أفلامها الوثائقي “سودان يا غالي”، الذي ينقلنا إلى نبض الشارع السوداني في مراحله المختلفة، بين الهزيمة والانتصارات، وبين العزيمة والخذلان.
فيلم عن الكفاح والحرية
بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان البندقية وجولته في مهرجانات عالمية، حط الفيلم رحاله في تونس ليُعرض ضمن قسم الدياسبورا في أيام قرطاج السينمائية. الفيلم إنتاج مشترك بين فرنسا وتونس وقطر، وينثر طعم الحرية والصمود.
من خلال صور ومقاطع من داخل الحراك والعصيان في شوارع الخرطوم، نقلت لنا المدب قصة كفاح وأمل وإصرار لمجموعة من الشباب السودانيين الحالمين بسودان أفضل، أو كما رفعوا شعارهم آنذاك: “الشعب يريد سودانًا جديدًا.” فتحلت المخرجة بشجاعة صحفي الحروب لتنزل للساحات و تصور داخل الإشتباكات ولا طالما سمعنا صوتها من خلف الكاميرا و لم تلجأ كما يفعل البعض لشراء المواد المصورة من محليين و القيام بالمونتاج بعيدا عن أي خطر. بل للمشاهد ان يشعر بعلاقة الثقة التي بنيت بينها و بين الشباب و الشابات في الفيلم فنجد الكاميرا تتشارك معهم كل شي بالإضافة الي العلاقة بالمخرجة والتي بانت في عدة محطات فيه.
المرأة والشعر: صوت الثورة السودانية
توجه كاميرا المدب اهتمامها الكبير للنساء والفتيات المشاركات في الإضرابات والعصيان. أعطت صوتًا لمن عانين القمع وأُجبرن على الصمت لعقود تحت حكم ديكتاتوري دام 30 عامًا، واكتشفنا نساء خارقات تحلين بالقوة والصبر للدفاع عن سودان مدني لا يقبلن التنازل أو الخضوع. نساء جمعن بين حب الوطن والتفكير المستنير بالإضافة إلى قوة المبادرة.
ولأن السودان بلد الشعر والفنون، نجحت المدب في إبراز هذا الجانب من خلال الهتافات التي تحولت إلى قصائد وأشعار ولدت من رحم الثورة والمقاومة. و احتفت الكاميرا بذكرى شعراء غادروا وشباب صنعوا كلماتهم وسط النضال.
سرد مختلف وقصصنا متشابهة
“سودان يا غالي” ليس مجرد سرد لتسلسل الأحداث. أذ استخدمت المخرجة أسلوب المونتاج المتوازي بفارق زمني بين المشاهد، لتأخذنا في كل مرة إلى سنة مختلفة مليئة بالأحداث المؤلمة، لكنها ملهمة.
رغم قساوة المشاهد، وللمشاهد ان يلاحظ تمركز الكاميرا بجانب الشباب المتظاهرين، حتى في أشد اللحظات خطورة، مما جعلنا كجمهور نشعر وكأننا جزء من الحراك، فالفيلم ليس مجرد توثيق للأحداث، بل هو رسالة أمل وإصرار، تعكس شجاعة جيل كامل من السودانيين وغيرهم ،ذاك الجيل الحالم بعالم عربي مختلف و حر ، ولكن كان حلما و هوى.