نشر هذا الحوار في عدد أكتوبر 2022 المتاح للتحميل المجاني
مقابلة : هاجر عثمان
قابلت المخرجة السورية سؤدد كعدان لأول مرة بعد فوز فيلمها الروائي” يوم أضعت ظلي” بجائزة جائزة أسد المستقبل للأفلام الأولي” لويجي دي لورينتس” في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في الدورة الـ 75.الفيلم الذي احتفى به النقاد والجماهير آنذاك، لإن المخرجة الشابة نجحت أن تصنع بفيلمها الروائي الطويل الأول ,علامة فارقة في تاريخ السينما العربية عمومًا والسورية خصوصًا، حيث شارك لأول مرة فيلم سوري فى هذه المسابقة العالمية الضخمة.
بعد أربع سنوات التقي ” كعدان” مرة ثانية بنجاح جديد من ذات المهرجان الذى شهد العرض العالمى الأول لفيلمها الروائي الثاني الطويل ” نزوح” في مسابقةOrizzonti Extra ويقتنص جائزة الجمهور التي تقدمها شركة أرماني الراعي الرسمي للمهرجان ليُصبح أول فيلم عربي يحصل عليها، وجائزة لانترنا ماجيكا التي تمنحها جمعية تشينيتشيركولي الوطنية الاجتماعية الثقافية للشباب.
فى حوار مطول تحكي سؤدد كعدان لمجلة سكرين عربية ، كواليس كتابة وإخراج هذا الفيلم ، وصعوبة التصوير ، واختيارها لفريق العمل سواء من الممثلين أو خلف كاميرا التصوير وغيرها من المحاور السينمائية ..
في البداية … مبروك فوزك بجائزتي مهرجان فينسيا ، كعادتك منذ فيلمك الأول الروائي ” يوم اضعت ظلي” واقتناصك جائزة أسد المستقبل ، اليوم تحصلين على جائزين منهما جائزة الجمهور .. ماذا تمثل جائزة الجمهور لصانع الافلام؟
سعيدة وفخورة بجائزة الجمهور، لأن جمهور مهرجان “فينيس” متنوع بين عربي وأوربي ومن جنسيات مختلفة ، وليس فقط جمهور سينمائي يحضره المتخصصين من نقاد ومخرجين وصناع أفلام، إنه مهرجان يحضره جمهور المدينة ذاتها ، آي هناك مستويات وجنسيات مختلفة لتلقي و مشاهدة الفيلم.
ولم نتوقع الجائزة، صحيح كان هناك حرارة شديدة ومؤثرة في استقبال العرض الأول للفيلم وصُناعه بالمهرجان، ولكن لم نحضر العرض الثاني، ولم نكن نعرف ردود الفعل، وكانت مفاجأة حلوة جدًا. وفخوة بالجائزة لأن حكاية فيلمي نزوح، ليست حدوتة تقليدية كما اعتدنا أن نرى في السنوات الأخيرة. “نزوح” هو عن قرار الرحيل أم لا،و أنا كمخرجة يعنيني حب الجمهور المختلف وتفاعله مع الفيلم، حب تحمله معك سواء مع رحلة الفيلم ومسيرته أو في الأفلام القادمة .
كما عهدناك في أفلامك ، القضية السورية محورها بلا شك وتعالجينها بمنظور انساني لتشترك مع كل العالم ، “سامر المصري” الذي يجسد شخصية “معتز الدمشقي” المتمسك بأرضه ويرفض النزوح وصراعه مع زوجته وإبنته .. كيف استهلمت قصة فيلمك حول هذه العائلة ؟ هل قابلتي مثلها في سوريا ؟ حدثينا أكثر عن التجربة ؟
بكل تأكيد فيلمي الثاني – كالتجربة التي سبقته- يحكي عن الحرب السورية ، لإنه الحرب موجودة واستمرت عشر سنوات حتى بعد كتابة السيناريو ، إذ بدأت بكتابة معالجة “نزوح ” عام 2013 . شخصية “معتز” ، ككل أفلامي تبدأ من تجربة شخصية و شخصيات حقيقية على أرض الواقع، و من ثم أثناء مرحلة المعالجة والكتابة توسعت الدائرة ، واختلط الواقع بالنسج الدرامي، لروي حدوتة سينمائية فيها شخصيات وهميين أو حقيقين ، ولكن جميعهم انطلقوا من شخصيات موجودة بالواقع. قرار ان تبقى أو ترحل أو تنزح أو تهاجر أو تبقي أو تتمسك ببيتك ، كلها أسئلة عشناها جميعاً في بيوتنا بأشكال مختلفة.
بالتأكيد “معتز” يشبه البيئة الشامية لإنني بنت هذه البيئة و أعرفها جيداً. الشخصيات بكل أفلامي سواء الدرامية الطويلة والقصيرة هي نابعة من شخصيات حقيقية التقيت بها ، و الاعتماد على الواقع، وهو أسلوب ربما نابع من تجاربي الأولي في الأفلام الوثائقية.
“نزوح الروح والماء والبشر ” الجملة الافتتاحية بالفيلم .. هل تُفسري لنا أكثر هذه الجملة القصيرة ولكن تحمل كثير مما مر به الشعب السوري عبر أخر عشر سنوات ؟ ولماذا قصدتي كتابتها في البداية ؟
كتبت هذه الجملة ، لإن العادة في أفلامنا العربية تجعلنا نترجم اسم الفيلم العربي ، ولكن ب”نزوح ” لم أرغب بأن يكون له عنوان ثاني مترجم إلى الإنجليزية، أحببت أن أبقي العنوان كمان هو بالعربي NEZOUH رغم صعوبة نطق هذه الكلمة لشخص لا ينطق اللغة العربية. ويمكن حافظت على العنوان باللغة العربية ، كردة فعل ولرغبتي بالتمسك بلغتي ، وهويتي . والسبب الثاني هو “نزوح” باللغة العربية فيها شاعرية لاتجديها في اللغة الإنجليزية، حيث أن كلمة displacement”” هي مرتبطة دائمًا بحركة اللجوء والحرب ، بينما نزوح بالعربي فيها مثل نزح الضوء والماء ، هذه هي الشاعرية التي أردتها ، و هذه العناصر موجودة بالفيلم: الضوء، الماء و الظلام.
وبتوضيح المعنى منذ البداية، كأنني أوعد المشاهد بإنه سيرى النزوح بطريقة شاعرية، بعيدًا عن تلك الطريقة التقليدية عن الحرب والدمار. تعتمد على صور بصرية وحالة مشاعر للشخصيات مثل حركة البشر والضوء والعتمة والمياه، وكل هذه العناصر موجودة بالفيلم.
هل قصة ( الطفلة زينة) التى تجسدها “هالة زين”بالفيلم تُمثل المستقبل ، أول مايقفز في أذهان المشاهد عن الأفلام السورية تلك الدمار وبشاعة الحرب ودمائها، ولكن هنا في “نزوح “بُعد اخر هو الحب والحياة والأمل في غدًا مع هذا الجيل الصغير الذي يستحوذ حتى على بوستر الفيلم .. ؟
لا أعرف حقيقة إن كانت “زينة” تُمثل المستقبل، أو جزء منه. عندما اكتب حكايات أفلامي تُعبر شخصياتي عن حقيقية واقعها، و تعبر عن ذواتها ولاتمثل جيل بأكمله، فالمجتمع السوري متنوع و مركب. صحيح أن هنالك الكثير من التفاؤل بالمستقبل مع الطفلة” زينة” و الكثير من الحب،هنالك رغبه في التحرر و الكثير من الأحلام ، لكنني ما زلت اتمنى لسوريا أن يكون مستقبلها أفضل ، وأن لا تكون فقط هذه هى الخيارات المتاحة لنا، إنك تتخلى عن كل شىء و تنزح أو لا يكون لديك حق في المستقبل . اتمنى أن يكون مستقبل الجيل الجديد أفضل من هذه الخيارات ! طبعًا هي كلها آمال، لإنه نعرف واقعنا وماتركته الحرب من آثار سيئة على المجتمع السوري سواء داخليًا أو خارجيًا.
لذا لا أمتلك إجابة عن هل أن الطفلة “زينة” تُمثل المستقبل أم لا. ولكن أردت بهذا الفيلم أن اعبر عن التفاؤل بالإنسان ، لإنه بالرغم من الاكتئاب والتروما وما خلفته وأحدثته الحرب في النفوس ، إلا أن هنالك الكثير من الحكايات المشرقة، و قد حاولت أن اعبر بالفيلم عن حالات التحرر من القيود . فبعد فترات الظلام والواقع الأسود ، تصبح لديك غريزة البقاء أقوى ويصبح الإنسان أقوى ليتخطاها، كما تشاهدين وردة صغيرة تنبت في عز الثلج ، وهو ماقصدت نقله على الشاشة بهذا الفيلم ، صحيح الواقع صعب ومرير ولكن الناس ما زالت تحاول أن تعيش وتضحك وتبتسم وتحب وتحلم . سواء نجحت بإكمال مسيرتها أم لا ،ولكن المحاولة هي الأهم.
حدثينا عن كواليس التصوير .. اين تم وكيف كانت الاجواء خاصة تلك المشاهد الخاصة بالقصف وغيره وماتتطلبه من مجهود تقنى وفني وانتاجي ؟
تم التصوير في “غازى عنتاب” بتركيا، لمدة 49 يوما، والحقيقة كانت أيام صعبة جدا على كل فريق العمل ، لارتفاع درجة الحرارة تصل ل46 درجة ، بالإضافة الى تكنيك تصوير وإخراج الفيلم وصعوبة تنفيذ مشاهده ، كنا قلقين يوميًا خلال تصوير المشاهد الصعبة ، ولكن كنت محظوظة بفريق العمل الذي ساعد على إنجاز الفيلم معي والممثلين الذين كانوا محبين و متعاونين لكل التوجيهات أثناء التصوير . بصراحة انا مخرجة مُتطلبة ، ولا اوافق على شىء الإ بجودة عالية لكل من عناصر الفيلم. وهذه النتيجة لن تستطيعي الوصول لها بدون تعاون وقبول وعاطفة من فريق العمل . و في نزوح كان الجميع يعمل بالفيلم كأنه فيلمهم الخاص، على رغم من تنوع جنسيات فريق العمل.
صرحت من خلال منشور لك على انستجرام بصعوبة التصوير واللقطات الطويلة المعقدة .. كيف كانت التجربة مع مديرة التصوير “هيلن لوفار”؟
بالفعل ،كان الفريق التقني خلف الكاميرا يضع كل مجهوده وتركيزه لتنفيذ اللقطات مع مديرة التصوير “هيلن” – التى شاركت فى تصوير أفلام كبيرة – ، ثم انضم لنا مصور تركي جديد ، لامتداد مدة التصوير بسبب الكوفيد -19، وكانت هناك لقطات صعبة جدًا ، مثل “لقطة النفق “االتي أصريت على تصويرها one shot في لقطة واحدة ومدتها 4 دقائق، والمكان كان يتسع لشخص أو شخصان بالكاد ! كذلك لقطات الانفجار ، ومشهد الهروب تم تصويره بشارع واحد فى تركيا من خلال لقطة طويلة واحدة، و هي الأطول في تركيا، وغيرها من المشاهد الصعبة التي تمر على الشاشة لثواني أو دقائق معدود ولكن خلفها عمل كبير وصعوبة في إنجازها.
كنا نواجه يوميًا تحدي في تصوير أحد المشاهد وكنا يومياً نتساءل كفريق عمل هل سننجح أم لا ، ولكن بعد انجاز المشاهد نشعر بالرضا والارتياح.
على ذكر هيلن “مديرة التصوير” ، تقريبًا فريق عملك للفيلم اغلبه نساء سواء مساعدة المخرج أو مونتيرة، مصححة الوان وغيرهن … هل ذلك صدفة؟ ، اعلم انك لاتفضلين تصنيفك كمخرجة نسوية ولكن هل اردت تحقيق قاعدة 50/50 التى طبقها مهرجان “كان ” لتطبيق قواعد المساواة بين النساء والرجال في صناعة السينما ؟
(تضحك ) “يمكن صار لغط وقت ماحكيت معكِ في مقابلتنا الأولى وذكرت إنه مابحب تصنيفي كمخرجة نسوية،” ولكن من المؤكد كوني مخرجة الأولوية عندي، بأن يكون معي نساء في فريق العمل ، لو كان لدي رجل وامرأة بذات الكفاءة سأختار المرأة ، و لكن الكفاءة تبقى المعيار الأساسي لاختيار الشخص في الفريق. والجميع لايخفي عليه محدودية الفرص المتاحة للنساء في صناعة السينما الذي مازال ُسيطر عليها الرجال ، وهناك غياب تام للمساواة بين النساء والرجال في هذه الصناعة بكل عناصرها سواء رواتب أو ميزانيات، و بكل تفاصيل المهنة، من تواجد صحفيات مختصات بالسينما، إلى تواجد نساء مخرجات، مصورات، منتجات، و مصممات ديكور إلخ.. . كمخرجة امرأة عانيت لإنجاز أفلامي ، وواجهت صعوبات في الحصول على التمويل .
لذلك أشعر بأنه كلما فسحت المجال لامرأة بأن تكون معي بفريق الفيلم ، فإننا نساهم سويا كنساء في تغيير هذه الصناعة و المجال . و أشعر بأن قوتي دائماً كمخرجة بأنني أسعى بأن يكون فريقي مكون من نساء، لنكون أقوى لتغيير وجه هذه الصناعة. ولكنني لا أحاول أبداً تحقيق قاعدة 50/ 50 رغم أهميتها في مجال المنح و فرص العمل، و الميزانيات. إذ أنها محاولة أولوية لتحرير صناعة الأفلام من رؤية ذكورية إلى أن تصبح المساواة حقيقة على أرض الواقع. على صعيد اختيار فريق عمل و كمخرجة فإنني امنح الفرصة لمن يستحقها والكفاءة هي المعيار وليس الجندر، إذا المرأة لم تكن “منيحة” سأختار الرجل في فريق العمل . بالنهاية اولوية الفيلم أهم من هذه التقسيمات، ولكني أسعى دائما يكون معي نساء متمكنات من مهامهنّ وهذا ماحدث فى “نزوح” ، معظم رؤساء أقسام بالفيلم نساء ، المصورة، مساعدة مخرج ، تصحيح الالوان، مديرة الديكور ..غيرهن .
و قرأت دراسة مؤخرًا ، كشفت أنه إذا كانت المرأة مخرجة فإنها ترتفع تلقائياً نسبة النساء داخل فريق العمل .
اختيار أبطال العمل .. كندة علوش وسامر المصري .. كيف استقريت عليهم ؟
أحاول دائمًا في أعمالي أن امزج بين الممثلين المحترفين والذين لم يمثلوا من قبل ، بهذا الفيلم كانت “كندة “الاختيار الأول الذى استقريت عليه ، شعرت بقدرتها على تجسيد شخصية الأم الحنونة وفي ذات الوقت التغيرات التى تطرأ على الشخصية خلال بقية الأحداث. و كنا نرغب أنا و كندة منذ فترة بأن يجمعنا عمل سينمائي ، وتجسدت هذه الفرصة في “نزوح”.
بينما اختيار شخصية “معتز “، احتاج وقت طويل من البحث، ولم اتعرف على “سامر المصري” الإ قبل شهر ونصف من التصوير عبر مقابلة على زووم، من أول كلمه حكاها عن الشخصية ، شاهدت فيه “معتز”، وبلا شك ساعد ذلك كونه شامي ابن المنطقة ، ويشعر ويفهم جيدًا ماذا يعنى لشخصية مثل “معتز” أن يرحل ويترك كل شىء خلفه ويصير نازحا ، وقال لي سامر انه عاش هذه المشاعر وانه لم يرغب بالرحيل و ترك دمشق بعد الحرب ، وعيونه فاضت بالدموع عندما كان يحكي عن البيت او المزرعة التى فقدها ، ولكن رغم دموعه كان شخصا قويا جدا ، وهو ما أريده أيضا في “معتز” تلك التناقضات بالشخصية. فاخترت “سامر المصري ” بالفيلم من اللقاء الأول وحقيقة لم يخيب آمالي.
أحد الكتابات النقدية وصف شخصية سامر المصري ( معتز) بأنه يكمل في فيلم “نزوح” مجازا شخصية العقيد ابو شهاب في باب الحارة ووضعه بعد الثورة السورية .. كيف ترين ذلك ؟
شاهدت الجزء الأول فقط من “باب الحارة” ، وكنت صغيرة جدًا ، لا استطيع التأكيد عما يقوله الناقد ، ولكن اتمنى الفيلم يكون متاح للجمهور قريبًا، حتى يشاهد الجمهور أداء مختلف لسامر المصري بالسينما عما تابعه فى الدراما ، لإنه ممثل بارع ، و بارع في المجالين، وقادر على التعبير عن الشخصية بكل تفاصيلها الدقيقة كنبرة الصوت ونظرة العين. وليس لدي مشكلة في هذه القراءة النقدية ، بالعكس يسعدنى بأن الناقد شاهد إحدى الشخصيات السورية الدرامية التي يتابعها العالم العربي،لكن من المؤكد ان شخصية “معتز” مختلفة تمامًا عن العقيد أبو شهاب. فقد حرصت فى نزوح ألا أقدم الشخصيات على الشاشة ضمن احادية الأبيض أو الأسود فقط ، البطل أو الضحية، لم اقدم معتز كرجل متسلط أو حنون ، أو كبطل، إنه متناقض ففي لحظة يحبه المشاهد و في لحظة أخرى يكرهه ، الشخصية إنسانية ومليئة بالتناقضات مثلنا ككل البشر . الشخصيات في الفيلم ليست مثالية، و الكل لديها عيوب حتى الطفلة الصغيرة ، التي تكذب كثيراً في بداية الفيلم، لإن الإنسان في الواقع ليس أبيضاً أو أسوداً .
النساء هن من يأخذن القرار رغم القيود والحصار وسلطة الاب .. سألتك من قبل عن سيطرة النساء على افلامك ، وهنا اسأل عن شخصية الزوجة والابنة هل تمثل انعكاسا حقيقيا لما حصل من تغيير لواقع النساء السوريات بعد الثورة ، آي اصبحن اكثر انطلاقا وقوة في اتخاذ قرارتهن ؟
نعم ، المرأة التى عانت من الحروب أصبحت أقوى ، فعندما يغادر الرجل المنزل، تتحمل المرأة مسؤولية العائلة وحدها، و تصبح صاحبة القرارات الأساسية في المنزل، و تصبح أكثر استقلالا ,كما حدث في لبنان، فلسطين ، سوريا ، العراق ، فهذه مجتمعات عانت من الحروب ونجد فيها المرأة أقوى . بلاشك ان الحرب في سوريا كانت مأسوية وأحيانًا يتم استغلال النساء في الحرب ، و هذا ماكشفت عنه الدراسات مؤخرًا من تغيرات جذرية صارت للمرأة السورية بعد الحرب خاصة فى مجتمعات اللجوء.
وفخورة جدًا بالمرأة السورية بصفة عامة لإنها مثقفة ومتعلمة وعاملة ، قوية وقادرة سواء بالمدينة أو بالريف ، وفخورة بها سواء قبل أو بعد الحرب ، لقدرتها على مواجهة التحديات سواء من نشأتها في مجتمع محافظ أو ماخلفته الحرب من لجوء ونزوح. واخيرًا,فعلا شخصية هالة في الفيلم تعكس واقع النساء بعد الحرب ، وكذلك واقعي الشخصي ، انا لست بذات الشخصية التى كنت عليها قبل الحرب . تجربة الحرب قاسية وتغير الإنسان .
في معظم افلامي ، المرأة هي الشخصية الأساسية في الفيلم ، لكوني امرأة مخرجة ، اكتب الأشياء من وجهة نظري كإمرأة، ربما لو اخرجت نصا من تأليف شخص آخر تكون فيه الشخصية الأساسية رجل ، يختلف هذا الشىء ، ولكن بما اني امرأة اكتب حكاياتي الشخصية، فمن الطبيعي بأن تكون وجهة النظر بأفلامي من خلال شخصيات نسائية ، وأنا فخورة بذلك . لأن السينما العربية لاتفسح المجال كثيرا للنساء ليكن شخصيات أساسية في السينما .
ماهي أصعب مشاهد الفيلم ؟
أصعب مشهد هو الذى تقع فيه ” زينة“ و التي تؤدي دورها حلا زين، من فتحة السقف إلى غرفتها، لتتحول إلى سماء ملئية بالنجوم. وتم تصوير اللقطة في أستوديو في اسطنبول واحتجنا إلى يومين من التصوير بواسطة كروما خضراء لانجازه ، وتم الاستعانة بدوبلير stunt، لحرصي الشديد على أن لا يصيب الطفلة أي مكروه بسبب مشهد السقوط، وكان يستلزم دقة كبيرة لتصويرة في لقطة واحدة ، وهو مايتطلب أن تسير حركة الكاميرا مع حركة الفتاة فى ذات اللحظة ومع الاشخاص الذين يحملوا الفتاة من خلال الأسلاك والأحبال، كان هناك 4 فرق يعملوا فى نفس اللحظة ، ولو تأخر أحدهم ثانية ، فإننا كنا نحتاج أن نعيد كامل اللقطة. حقيقي كان مشهدا صعبا جدًا . خاصة أنه كانت اللقطة الأولى التي صورت في الفيلم ، إخترت البدء بها نظرًا لصعوبة التنقلات بالمعدات وارتفاع تكاليف انتقال التصوير ما بين مدينة “بغازى عنتاب” و”اسطنبول” . فبدأنا التصوير في اسطنبول مع هذه اللقطة، ثم اتجهنا و اكملنا التصوير في غازي عنتاب.
صرح الفنان “سامر المصري” انك سمحت ببعض الارتجال بين الابطال .. هل ذلك يعود للحالة الانسانية المشحونة التى تعيشها الشخصيات داخل احداث الفيلم مثلا ؟
عملنا بروفات كثيرة معًا ، والارتجال ليس سهلا ، بل أصعب أنواع الأداء فهو يتطلب معرفة عميقة للشخصية من قبل الممثل. فالارتجال يأتي بعد بروفات عدة لتنفيذ المشهد على صعيد الأداء و الحركة ، حتى يكون الارتجال يصب في صالح الشخصية و رؤيتي كمخرجة . سامر المصري يعرف شخصية “معتز” جيداً ، لذا كان يضيف لحظات نابعة من “معتز ” ابن البيئة الشامية ، الميكانيكي المتمسك بالمنزل والمتوهم بان كل شىء كما هو بالرغم من أن الحرب غيرت كل شيئ.
نعم انا أحب الارتجال ، وفخورة جدا بجميع الممثلين الذين عملت معهم في كل أفلامي سواء كان الارتجال جزء من الأداء أو لا. و من الممثلين الذىن اعتمدت عليهم في الارتجال ، سامر المصري في ” نزوح” و أويس مخللاتي في “يوم أضعت ظلي “و الفنان عبد المنعم العماريري و كاريس بشار في فيلم “عزيزة”، دائما اشتغل على مفهوم الارتجال ولكن تعتمد هذه المساحة على الشخصية ودورها والممثل/ة وقدرته على الارتجال أو انتماءه لهذه المدرسة في التمثيل. الممثل شريك في العمل فإنه يحوّل السيناريو وأبطاله لشخصيات حقيقية من لحم ودم على الشاشة .و الممثل\ة السوري يُطور من نفسه جيدا ، ومعظمهم خريجين المعهد العالي للفنون المسرحية ، الذى درست فيه ، وهو معهد صعب في دراسته وفي تدريب وتهيئة الممثلين على أداء أدوار صعبة قائمة على دراسة وثقافة وإحساس بالواقع وناسه .
كيف كان العمل مع طفلة عمرها 14 عام ، تقف امام كاميرا السينما لأول مرة ؟
ليس فقط هاله كان عمرها 14 سنة، وأيضا الصبي ” نزار العاني” الذى لعب شخصية ” عامر“ كان عمره 15 سنة، لذلك طلبت منهم الحضور قبل شهر من التصوير ، للتدريب اليومي على التمثيل . في الصباح كنا نجري معاً تدريبات على الصوت والحركة، والارتجال سويا، وحفظ النص ، أما في المساء فهنالك تدريبات حركية على السباحة ، تدريبات على الصيد . انا شخصيا كنت قلقة من قدرات أي ممثلة في هذا العمر و خاصة لأنها ستكون المرة الاولى التى تقف فيها أمام الكاميرا، ولكن “هالة زين ” كانت رائعة وخارقة وقادرة على انجاز المشاهد الصعبة منذ المرة الأولى، وكذلك لديها قدرة مميزة على الارتجال ، وأقدّر جدًا الممثل الذى لايخرج من الشخصية التى يلعبها قبل أقول cut . فأحيانا اترك الكاميرا تعمل بعد الانتهاء تماما من تصوير مشهد ، لكي أراقب و انتظر هذه اللحظة التى يمكن أن يَمنحك فيها الممثل مفاجأت
الأطفال يحبون اللعب، لذا كان الارتجال معهم رائع ،لإنه مهما حدث أثناء تصوير المشهد من أخطاء تقنية أو هطول المطر .. لم تخرج “هالة” من الدور الذى كان تلعبه، ودائما كانت تتفاعل مع هذه المستجدات، وحاولت تطبيق ماتعلمته في فترة التدريب. فمثًلا أثناء تصوير المشهد التى تنظر فيه الطفلة للحمامة من فتحة السقف ، فوجئنا أثناء التصوير بنزول حمامة بيضاء من السطح إلى غرفة زينة، لتحط على سريرها، ورغم اننا لم نتوقع الحمامة ، إلا أن حلا تفاعلت معها بطريقة عفوية ،و كأنها جزء من المشهد. ورغم صغر سنة “هالة ” نجحت فى التفاعل مع كل شىء حولها، واتمنى أن تكمل “هالة” في التمثيل، لامتلاكها قدرات غير محدودة في التمثيل وهي قادرة على أداء أدوار مختلفة مستقبًلا.
نلاحظ بعد فيلمك الروائي ” يوم اضعت ظلي” تعودين للفيلم القصير ” عزيزة” ، وتحصدين جائزة بمهرجان “صندانس ” .. على عكس مانره من مخرجى المنطقة العربية ينجزوا الافلام القصيرة والتسجيلية كمرحلة مؤقتة حتى الوصول للفيلم الروائي الطويل ولايعودوا لتكرارها من جديد ؟
كل شكل سينمائي له متعته والتحدي الخاص به ، واستمتعت كثيراً بفيلمي القصير “عزيزة”، وصورته في لبنان مع الممثلين “عبد المنعم العمايري” و”كاريس بشار” ، وحقيقي فوجئنا بالضجة الكبيرة الذى احدثها الفيلم وتلك الجوائز الذي حصدها وقتها ، رغم إنه كان مشروع صغير وبميزانية محدودة جدًا – وللاسف تواجه أفلامي حتى الآن تحدي الميزانيات الصغيرة، وتظل هذه من أكبر العقبات التى تواجهنا كمخرجين مستقلين نظرا لأن أفلامنا تحكي باللغة العربية، و لا تحصل على دعم كبير محلي عربي. عل كل, لم نتوقع هذا الصدى الكبير الذى حققه ” عزيزة” ، الذى يقدم صورة مختلفة عن اللاجىي التى يعرفها الجمهور، وكنت سعيدة جدا مع فريق العمل بهذا النجاح . لذا ليس لدي أى مشكلة من العودة بين الحين والآخر للفيلم القصير أو الوثائقي طالما معي نص جيد وفريق رائع من الممثلين المميزين وميزانية ، لإن الفيلم فى النهاية شراكة مع الممثلين و الفريق.
أخيرًا .. ماهى جولات الفيلم القادمة فى المهرجانات ؟
هناك حوالي عشرة مهرجانات يسافر لهم الفيلم خلال الفترة الشهرين القادمين ، ثلاث مهرجانات في إيطاليا ( نابولي- ميلانو – روما ) ، ومهرجان طوكيو ، والعرض الأول في مهرجان لندن ، ومهرجان بوسان فى آسيا و مهرجانين في اسبانيا. نأمل ان ينضم جميع الممثلين لحضور المهرجانات مع فيلمهم والأ تعوقهم أزمة الحصول على التأشيرات .
وماهي مشاريعك القادمة ؟
أمامي عدة مشاريع جديدة ، ولكن لا استطيع التصريح عنها الآن ، السينما تحتاج إلى وقت للتحضير، وكل فيلم يستغرق وقت فى إعداده ، للكتابة ، التمويل ، فمثلا بدأت بكتابة “نزوح” منذ 2016 وخرج للنور عام 2022 ، الفيلم يمر بمرحلة طويلة ، واحاول كمخرجة ان يختلف كل فيلم عن الأخر، و إن كانت افلامي تحكى عن سوريا ولكنها تختلف بالشكل والمضمون، وفخورة اني نجحت فى فيلمي الروائي الثاني بتقديم فيلم مختلف عن الفيلم الأول، وكلاهما حصل على تقدير من مهرجان عالمي كبير مثل “فينيسا “.