حوار مع شاهين بالريش : فيلمي يحفظ الذاكرة من الاندثار

You are currently viewing حوار مع شاهين بالريش : فيلمي يحفظ الذاكرة من الاندثار

حوار مع شاهين بالريش : فيلمي يحفظ الذاكرة من الاندثار

يدفعنا الحماس في كل مرة  أن نلتقي بمخرجي الأفلام التونسية,ولكن هذه المرة زاد الحماس للدخول في تفاصيل فيلم ” تمورثيو ازور” إذ أنه الفيلم الأول الطويل لمخرجه شاهين بالريش و لكن كذلك هو أول فيلم تونسي ناطق باللغة الأمازيغية و يعرض تفاصيل هذه الثقافة الأصلية المتجذرة في تونس و المغيبة في مناجنا التعليمية و وسائلنا الإعلامية.

فيلم ” تمورثيو ازور ” لشاهين بالريش و بعد عرضه الأول في زوارة و حصوله على جائزة أحسن سيناريو في مهرجان  تافسوت للسينما الامازيغية بالمغرب ,يستعد فريق العمل للقاء الجمهور  في اهتتام المهرجان الصيفي في تمزرط ليلة 13 أوت 2022. اتصلنا بمخرج العمل شاهين بالريش لاكتشاف تفاصيل العمل.

خلال تتويج الفيلم بمهرجان تافسوت للفيلم الامازيغي بتافراوت

سكرين عربية : لو تقدم لنا الفيلم وأصل فكرة انتاج فيلم أمازيغي

شاهين بالريش : ان زخم الرواية الأمازيغية ببعدها الدرامي بمعناه الأرسطي، وما تزخر به من أحداث ملحمية توثقها ثقافتها الزاخرة المبنية أساسا على مخيالها الجمعي الشفوي المتعدد هو ما دفعني الى الدخول الى غمار هذه المغامرة والاشتغال على أهم موروثاتها الثقافية والحضارية التي أرشفت أعلى مسارات الأمازيغ تراجيدية.

فأن تجد نفسك في رحاب جبال الظاهر والقرى الامازيغية هو في حد ذاته دافع لسبر أغوار عوالم حضارات منسية ومطمورة بالنسبة لي، عدى بعض الارتسامات التي كانت تسكنني كلما حضر الامازيغ أمامي شفاهة أو صورة أو معنى، حول طبيعة هذه الجماعات السكانية القابعة هناك، هناك في قرى وتجمعات جبلية خام معلّقة ما بين سماء بعيدة وجبال ممتدة تأبى الانصياع والتلاشي.. وهو ما كان كافيا لغوايتي واستدراجي لهذه الربوع التي لم تقتصر رحلتي فيها على مواكبة تفاصيل الحياة الأمازيغيةبها وفهمها. ففداحة المشهد كان أكبر من أن يمرّ باهتا. هذه التجمعات الأمازيغية وفي سياق سياسي موسوم بالتهميش والإقصاء الاجتماعي والسياسي إضافة إلى نكران الهوية والذاكرة الجماعية والحرمان منأبسط الحقوق الثقافية والحضارية المكفولة أصلا في الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية للشعوب! فما بالك بعد انتفاضة طرحت لافتة الحرية وحقوق الإنسان شعارا ومطمحا؟

عديدة هي الأسئلة التي تتزاحم أمامي كلما شددت الرحال مسلحا بآلات التصوير الى تلك القرى الامازيغية الضاربة في الزمن والحضارة والمخيال. وعن الراهن وأسئلة الثورة، وعن العدالة والحرية والحقوق الثقافية ومسألة الهويةوحق العودة والذاكرة الجماعية وحق الاختلاف. تلك الأسئلة التي باتت تسكنني ولم تبارح مخيلتي معلقة ولتجدني لمدة عشرة أعوام في تلك الربوع أجمع شتات سندات الحكاية من البدء.

أمام كمّ الدمار والعجز الذهني الذي يمتلكني كلّما مشيت الى تلك البقاع باحثا عن الرؤيا، كان حفظ الذاكرة السمعية البصرية هو الطريق لصفائي الروحي.

القرية الجبلية آزرو تم تغريب سكانها منذ نهاية السبعينات ومنذ ذلك التاريخ أهمل بنيانهافأضحت المنازل ملجأ رعاة الغنم وباحثي الكنوز. قلّة المراجع التاريخية أو الأبحاث السيسيولوجيا وضعف مصداقيتها هو ما دفعني للبحث عن سبل جديدة وفتح مجالات بحث أرحب.

سكرين عربية:  ماذا عن العملية الاتناجية و البحثية للفيلم ؟

شاهين بالريش : عشر سنوات من السير في رحم القرى الأمازيغية بالجنوب التونسي أنجبت خلية علائقية متينة حول حفظ وتثمين المخزون الأمازيغي للمنطقة لتشكيل نتوءات الحكاية.

التحامي بسكان آزرو والقرى الامازيغية بجبال الظاهر والوعي بضرورة تثمين وحفظ الموروث الامازيغي التونسي من الاندثار والنسيان في زمن نعتبر فيه أن كل شيخ أو عجوز يورون الثراء هو دفن لجزء من ذاكرتنا الجمعية والجماعية، واقتناعنا بأن الصورة هي أصدق تعبيرات التوثيق التاريخي والثقافي والبحثي وأكثرها تطورا أعلن انطلاق مشروع حفظ الذاكرة الأمازيغية التونسية.

عملية أرشفة وحفظ وتثمين الذاكرة الجماعية للقرى الأمازيغية التونسية رحلة فنية انطلقت منذ عشر سنوات همّها كشف المنسي والاشتغال في المناطق البكر عراة الا من ايماننا بصدقية الفكرة وغناها الحدثي والمشهدي، وبما يجمع فريق العمل من تلاحم واصرار، مع يقيننا بأن المغامرة محفوفة بكم هائل من الصعوبات والعوائق. كنا ندرك بأن وحده مشينا قد يذلل ما قد يصادفنا من تحديات ونحن نعبر عناء السبيل.
فأن نجسد فيلما وثائقيا يقدم الحكاية انطلاقا من الذاكرة السمعية البصرية الأمازيغية، المادية واللامادية منها كمرجع فكري وفني هو ما كان خيارنا للحديث عن التشبث بالأرض والصراع من أجل البقاء وفكرة العودة واستمرار الجنس البشري على وجه البسيطة رغم الاكراهات والعذابات ونكد العيش.. كلها خلفيات جمالية واقعية اعتمدناها منطلقا ونحن نرصد تفاصيل مسارات اشتغالنا على الموروث المادي واللامادي لقرية آزرو شكلا ومعنى.

 عشر سنوات من التوثيق والحفظ السمعيوالبصري لأكثر من عشرين ذاكرة شخصية حول قرية آزرو نفضت الغبار عن الفسيفساء التي اعتقدنا أنها كانت سرابا ونحن نتهجى الطريق نحو أسمى الفنون ألا وهو فن العيش على هذه الأرض وحبّ الأرض.

عشر سنوات من نبش للذاكرة الجمعية بقرية الزراوة والبحث في خصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية راكمت جملة من التحديات الجديدة ورفعت سقف الحلم بواقعية فكرة عودة أمازيغ آزرو الى آزرو.

في أفريل 2019 انطلق فعليا تحقيق الحلم المشروع لاهالي قرية الزراوة الجديدة في العودة الى آزرو وتدارك حالة الانهيار والدمار التي طالت الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى آزرو وترميم بعض المنازل. وأصبحت فكرة العودة للعيش في حضن عروس القرى الأمازيغية واقعا تابعناه مع عودة عائلات تضم الأجيال الثلاث.

هذا الفيلم ذو العشر سنوات يروي أجزاء من ذاكرة حية تمتد لمائة عام في عمر تاريخ سكان آزرو. هو إنتصار للذاكرة الجماعية الوطنية والعالمية، انتصار للفن وحب الأرض والحياة الكريمة. انتصار للتاريخ وما لحقه من نسيان سيء، انتصار لقرية تعجّلت الرؤيا ففازت بالطريق ليكون فيلم تمورثيوآزرو شاهدا على مشيها وحافضا لذكراها.

فأن نحيل الذاكرة إلى القادم، نتخطّى ثقل الراهن، وماض موغل في التضاريس، نحو ألق الفكرة وبهاءاتها، فذاك ما كان هاجسنا ونحن نقتفي أثر مدينة معلّقة ما بين سماء بعيدة وجبال راسية، تدلّنا عليها. تمورثيوآزرو، ذاكرة القادم.

صورة من عرض الزراوة

 سكرين عربية: عرض الفيلم بالزراوة بقابس , كيف كان استقبال الناس للفيلم؟


شاهين بالريش : كان الاحتفاء بولادة العمل في عرض ما قبل العرض  لأهالي مدينة آزرو موطن فضاءات أحداث الفيلم ، وهو أول فيلم يعرض في القرية منذ تأسيسها حيث أصبح السوق قاعة سينما مفتوحة، كان التنسيق مع جمعية آزرو للثقافة الامازيغية وتمت برمجته في افتتاح أيام الثقافة الامازيغية بالزراوة الجديدة وشارك الاهالي في تنظيم الحفل/العرض . وعند انتهاء العرض تم إعلامنا ببرمجة الفيلم ضمن مهرجان تمزرط  الامازيغية  يوم 13 أوت 2022 باعتبارها واحدة من فضاءات تصوير

الفيلم  كذلك  .

سكرين عربية: ماذا عن المشاركة الدولية ؟

شاهين بالريش : عنوان هذه الدورة لمهرجان تافسوت للفيلم الامازيغي بتافراوت “أدرار والسينما” وتم اختيار فيلم تمورثيو آزرو من قبل  المهرجان للمشاركة في مسابقة الأفلام الامازيغية الطويلة ضمن 8 أفلام تضم المغرب والجزائر. وتم اختيار تونس كضيف شرف لهذه الدورة .

تحصل الفيلم على تأشيرة عرض من قبل المركز السينمائي المغربي وتمت برمجته في افتتاح مسابقة الأفلام الطويلة.وحيث أن فيلم تمورثيو آزرو هو أول فيلم أمازيغي تونسي ناطق بالامازيغية فقد استقبل باهتمام الحاضرين من سينمائيين وصحافيين ومحبي الفن السابع من سكان تافراوت. وعند انتهاء عرض الفيلم تم إعلامنا بأنه قد تم اختيار فيلم تمورثيو آزرو كضيف شرف للدورة الرابعة لمهرجان figuier D’or بفرنسا  في أكتوبر 2022.