في حوار خاص لمجلة سكرين عربية، تحدّث المخرج التونسي جميل نجّار عن حيثيات فيلمه الروائي الطويل الأول جاد، الذي شهد عرضه العالمي الأول ضمن فعاليات مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، موضحا أن هذا المشروع السينمائي لا يُعدّ مجرّد تجربة فنيّة عابرة، بل هو نتاج التقاء الوعي الجمالي بالمسؤولية الأخلاقية، ومحاولة حثيثة لتحويل الفن إلى أداة إضاءة وتحريض على التغيير.
الفيلم مستوحى من واقعة حقيقية لطبيب يعمل في أحد المستشفيات العمومية التونسية، تعرّض لحادث سقوط داخل مصعد معطّل، وهي الحادثة التي شكّلت، وفق تعبير المخرج، “منعطفًا إنسانيًا” دفعه إلى تأمّل هشاشة المنظومة الصحية وتداعياتها المأساوية على العاملين بها والمرتادين لها على حدّ سواء.
وأشار نجّار إلى أن موافقته على إخراج جاد جاءت من منطلق قناعة راسخة بأن للفن دورًا يتجاوز حدود المتعة البصرية، ليبلغ عمق الالتزام الإنساني والاجتماعي، أن جائحة كوفيد-19 كانت لحظة كشف جماعي لمدى الحاجة إلى مراجعة جذرية لبنية القطاع الصحي، وإعادة الاعتبار للمؤسسات العمومية بوصفها خط الدفاع الأول عن كرامة الإنسان وحقه في العلاج.
وحول أصداء العرض الأول للفيلم، أوضح المخرج أن التفاعل الوجداني الذي عبّر عنه الجمهور المغربي شكّل لحظة مفصلية في مسار العمل، حيث شعر الحاضرون أن ما يُعرض أمامهم ليس حكاية متخيّلة، بل امتداد حيّ لواقعهم اليومي، بما فيه من وجع وانتظار وأسئلة معلّقة. واعتبر أن هذا التلقّي العاطفي من طرف المتفرّجين كان بمثابة التكريم الحقيقي للفيلم وصُنّاعه.
جميل نجار: “حين سنحت لي فرصةُ إخراج هذا الفيلم، لم أتردّد لحظة واحدة. ورغم أنه يختلف عن طبيعة الأعمال التي دأبتُ على إنجازها، شعرتُ بنداء داخليّ يُلحّ عليّ ويقودني بثبات نحو هذا المشروع. كان الدافع جليّا في وجداني: أن أجعل من الفن أداة لخدمة قضيّة نبيلة، هي الصحّة العمومية، خاصّة بعد أن كشفت جائحة كوفيد-19 هشاشة أنظمتنا الصحية، وأعادت تسليط الضوء على الدور الجوهري الذي تضطلع به المستشفيات العمومية في حماية الأرواح وصون الكرامة الإنسانية”.
وختم جميل نجّار حديثه بالتأكيد على أن فيلمه لا يهدف إلى إثارة النقاشات الإعلامية العابرة، بل يسعى، من خلال واقعيته وصدقه، إلى إحداث رجع صدى فعلي قد يُسهم، ولو رمزيًا، في الدفع نحو إصلاحات بنيوية تُعيد للقطاع الصحي التونسي اعتباره.
تجدر الإشارة إلى أن جاد هو العمل الروائي الطويل الأول في المسيرة الإخراجية لجميل نجّار، الذي اختار أن يفتتح هذه المرحلة بمشروع سينمائي يزاوج بين الصدق الفني والرهان المجتمعي، واضعًا السينما في صلب معركة الكرامة والعدالة الاجتماعية.