بعد نصف قرن على تتويجه في “كان”: “وقائع سنين الجمر” يعرض في قاعات السينما بنسخة مرمّمة

تستعد قاعات السينما الفرنسية، بداية من اليوم الأربعاء 6 أوت 2025، لاستقبال واحد من أبرز معالم السينما الجزائرية والعربية: “وقائع سنين الجمر” للمخرج الراحل محمد لخضر حامينة، وذلك في عرض جديد بعد خمسين عامًا من تتويجه التاريخي بسعفة مهرجان كان الذهبية سنة 1975.

الفيلم، الذي يُعاد اليوم بنسخة مرمّمة ضمن برنامج خاص لإعادة توزيع كلاسيكيات السينما العالمية، سيُعرض في 22 قاعة سينمائية عبر فرنسا، مُعيدًا إلى الذاكرة واحدة من أقوى التجارب السينمائية التي وثّقت التحوّلات العميقة للمجتمع الجزائري تحت نير الاستعمار الفرنسي، من خلال سرد ملحمي يمزج بين الواقعي والرمزي، بين الفردي والجمعي.

يروي الفيلم رحلة الجزائر من عام 1939 إلى غاية اندلاع ثورة التحرير سنة 1954، حيث يتتبع مصير “أحمد”، الفلاح الفقير القادم من الجنوب، والذي يتحوّل إلى مرآة تنعكس عليها كل المعاناة الجماعية: من الجفاف والمجاعة، إلى الهجرة القسرية نحو المدن، فسنوات الحرب العالمية الثانية، وصولًا إلى لحظة التمرّد والانتفاض على المحتل.

في بناء شبه ملحمي، يستلهم لخضر حامينة تقنيات السرد الشفوي، مع إدماج شخصية “ميلود” – الحكيم والنبي – كرمز للذاكرة الشعبية، يُلقي خطاباته الفلسفية على الأحياء والأموات، في مشاهد تستدعي طقوس التراجيديا الإغريقية.

تُهيمن على الفيلم ثنائية الماء والجفاف، حيث تشكّل ندرة المياه المحرك الرئيسي للصراع، قبل أن تتصاعد وتيرة الأحداث وتُفسح المجال للغضب الشعبي، فتتحول الصورة تدريجيًا إلى مشهدية تمجّد روح المقاومة وتفضح عنف المستعمر، مع توظيف لافت للّقطات الواسعة والمناظر الطبيعية الآسرة: من العواصف إلى الفيضانات والهجمات الفجائية.

وبينما يُعيد هذا العرض الجديد الحياة إلى فيلم لا يزال يحتفظ بقيمته الرمزية والجمالية، تُفتح معه مساحة للتأمل في كيفية سرد التاريخ الوطني سينمائيًا، من خلال عدسة مخرج جسّد، رغم بعض التبسيطات، صرخة شعب في وجه الطغيان، وحفر بذلك اسمه في الذاكرة السينمائية العالمية.

هذا العرض يُعدّ فرصة نادرة لجيل جديد من المشاهدين، لاكتشاف عمل ظلّ شاهدًا على تاريخ شعب ناضل من أجل الوجود والكرامة، في وقت تتجدّد فيه الحاجة إلى قراءة الماضي بعين فنية وواعية.