المال كأداة للسلطة في السينما العربية: بين الجريمة والفساد

You are currently viewing المال كأداة للسلطة في السينما العربية: بين الجريمة والفساد

المال كأداة للسلطة في السينما العربية: بين الجريمة والفساد

  • Post category:أخبار

تُعد السلطة والمال من أبرز المحاور التي تتناولها السينما العربية، حيث يقدم هذا الثنائي إطارا سرديا غنيا يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي في المنطقة. المال، بصفته أداة للنفوذ والسيطرة، غالبا ما يكون حاضرا في قصص الجريمة والفساد، ليكشف العلاقة المعقدة بين القوة والضعف الإنساني، ويضيء على الأزمات الأخلاقية التي تواجهها المجتمعات العربية.


المال والفساد: مرآة للواقع

تعكس الأفلام العربية التي تناولت الفساد الدور المركزي للمال في تحريك خيوط السلطة، حيث يصبح وسيلة لتحقيق النفوذ أو لتدمير حياة الأفراد.
فيلم “عمارة يعقوبيان” (2006) وحيد حامد، الذي كتب سيناريو مأخوذ عن رواية ناجحة للأديب علاء الأسواني، على سبيل المثال، يقدم صورة مكثفة لعلاقة المال بالفساد السياسي والاجتماعي. شخصيات الفيلم تُظهر كيف يمكن للمال أن يُستخدم لإسكات الأصوات المعارضة أو تعزيز النفوذ الشخصي على حساب المصلحة العامة.
أما فيلم “الكرنك” (1975)، فيقدم صورة أخرى عن كيف يستغل أصحاب النفوذ المال لفرض سلطتهم، ويفضح العلاقة بين الأجهزة الأمنية والاقتصادية في توجيه المصير السياسي للأفراد.
ولايمكن تجاوز الفيلم التونسي “قدر” (2022) للمخرجة إيمان حسين، والذي يسلط الضوء بشكل مباشر حول الفساد المالي و”المافيات” التي تسيطر على البلاد. يسرد العمل في 100 دقيقة قصة الطبيب الحفناوي، والذي يقوم بتزوير السجلات الخاصة بتشريح الموتى تنفيذا لأوامر منظمة تتمتع بسلطة كبيرة، ولكن حينما يتعلق الأمر بشخص قريب منه، يلعب القدر لعبته.
إنّما تتجلّى عظمة السينما في قدرتها على سرد الواقع كما هو، بكلّ صدقه وتعقيداته، وتسليط الضوء على زواياه المعتمة والمنسيّة. فهي ليست مجرّد أداة للترفيه، بل خطاب بصريّ يعكس نبض المجتمع، ويكشف المستور، ويمنح المنسيّين حضورا وذاكرة، فتغدو بذلك شاهدا على الزمن، وفاعلا في تشكيل الوعي الجمعي. ولعل في ذلك ما يذكرنا بمقولة المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك، حين أشار إلى أن ‘الفن هو إعادة تشكيل الواقع المحيط، لا خلق واقع جديد”.


الجريمة كوسيلة لتراكم الثروة


الجريمة كموضوع سينمائي دائم الارتباط بالمال، غالبا ما تكون مدفوعة بحلم الثروة السريعة أو الهروب من الفقر. فيلم “اللص والكلاب” (1962)، على سبيل المثال، يستعرض كيف يدفع القهر الطبقي بالفرد إلى اللجوء إلى الجريمة كوسيلة لاستعادة كرامته وتحقيق العدالة الذاتية. الشخصية الرئيسية، سعيد مهران، تعكس التوتر بين الحلم بالعدالة الفردية والدوافع الاقتصادية التي تقوده إلى الانهيار.
في فيلم “الفيل الأزرق 2” (2019)، يُستخدم المال كرمز لتضخيم الجشع البشري، مما يؤدي إلى ارتكاب جرائم تتجاوز الأخلاق والقانون، بينما تبقى السيطرة المطلقة للشخصيات مرهونة بثروتها.


لم تقتصر الأفلام العربية على رصد الجريمة والفساد السياسي فقط، بل امتدت لتظهر تأثير المال على العلاقات الإنسانية. في فيلم “بين القصرين” (1964)، نرى كيف يتحكم المال في مصير العائلة وطبيعة العلاقات الاجتماعية، حيث يعزز النظام الأبوي سلطته الاقتصادية لإخضاع الجميع لرغباته.
ختاما، المال كعنصر محوري في السينما العربية ليس مجرد وسيلة للقوة، بل يعكس صراعات أعمق تتعلق بالهوية والمصير. الأفلام التي تناولت هذه الثيمة أثبتت قدرتها على تجسيد قضايا الفساد والجريمة بشكل إنساني وقريب من واقع المشاهد العربي، مما يجعلها مرآة حقيقية للمجتمعات التي أنتجتها.