يعتبر مجال الفن السابع أداة توثيقية لحياة المجتمعات ومرايا تعكس حالها وتاريخها. منذ بداياتها، شغلت السينما نفسها بالقضايا المعقدة وحرصت بشتى الوسائل أن تقدم رؤى مختلفة تسلط الضوء على مايعانيه المجتمع العربي من أزمات وحروب وانقسامات جغرافية وسياسية. ولعل أبرز القضايا التي تناولتها السينما، وعلى رأسها الأفلام المصرية، هي القضية الفلسطينية.
اذ حرصت السينما المصرية منذ بداياتها لتكون وسيلة دفاع عن البلاد الفلسطينية ونقل ما يعانيه شعبها من صراع مع الكيان الصهيوني من خلال لغة سينمائية واضحة وصور مؤثرة.
وقد توالت الأفلام التي تناولت هذه القضية بأساليب ومنظورات متنوعة، ولكن الهدف الرئيسي دائمًا كان السعي لتوثيق مبادئ المقاومة والاستنكار لوحشية الاحتلال الإسرائيلي.
مصر أم البدايات:
يعتبر فيلم “فتاة من فلسطين” أول الأعمال السينمائية والعربية التي سلطت الضوء على القضية الفلسطينية. وهو فيلم من بطولة وإخراج “محمود ذو الفقار” وقد شاركته في بطولته “سعاد محمد” في شخصية “سلمى” الفتاة الفلسطينية. تم انتاجه في عام النكبة 1948 من قبل “عزيزة أمير”.
تتمحور أحداث الفيلم حول ضابط مصري يندفع بشجاعة للدفاع عن أرض فلسطين ضد العدو الصهيوني. تعرض طائرته لأضرار خلال إحدى المهمات، مما يجبره على الهبوط في إحدى القرى الصغيرة في فلسطين. هناك يلتقي بسلمى، التي تقوم برعايته واستضافته في منزلها.
بينما يقيم في القرية، يتعرف على مجموعة من الفدائيين الذين يقاتلون بكل شجاعة من أجل الأرض والوطن. تتعاظم تدريجيًا علاقته بسلمى، حيث يتشاركان أفكارًا وأحلامًا مشتركة في مقاومة الاحتلال. يكتشف أيضًا أن منزل سلمى يعد مركزًا للمقاومة الفلسطينية.
في النهاية، يتطور الحب بينهما، ويقرران الزواج في حفل عربي فلسطيني يحمل رموز المقاومة، حيث يزفهما الفدائيون في أجواء مليئة بالفخر والوطنية.
ومن ذلك نستنتج إرادة المخرج في الاشارة الى العلاقة التي تجمع بين المصريين والفلسطينيين والتي تقوم أساسا على الدعم والمساندة.
فلسطين أرض الحب :
مثل الحب أحد أبرز المواضيع التي بنى عليها المخرجون المصريون أعمالهم السينمائية، لتكون هذه المشاعر رمزا للقوة والصبر والسعادة اللامتناهية. فكأن فلسطين هي أرض الحب وبعيدا عنها يختفي أي شعور بالراحة.
ففي عام 1948، يكشف المخرج “نيازي مصطفى” عن فيلم بعنوان “أرض الأبطال” والذي تتشابه قصته إلى فيلم” فتاة فلسطين”. فيسرد العمل قصة “جمال” الذي يسافر الى فلسطين بعد تعرضه لصدمة مفادها زواج حبيبته بوالده الثري. وهناك يتعرف إلى بنت تدعى “كوكا” ويقع في غرامها ثم ينضم اللى المقاومة ومن ذلك تتوارى الأحداث لتكشف عن مفارقات كبيرة.
أما في عام 1955 يحضر الحب في السينما المصرية من جديد من خلال فيلم “الله معنا” بطرح مغاير. وهو من بطولة كل من عماد حمدي وفاتن حمامة وإخراج “أحمد بدر خان”.
في ماهية النضال:
لم تنفك الأعمال المصرية من تسليط الضوء على قيم النضال والمقاومة على أرض فلسطين ورفض سيادة الاستبداد. ومن بين هذه الأفلام نذكر “الناصر صلاح الدين” من إخراج “يوسف شاهين” والذي يتناول فيه قصة معركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي والتي أسفرت على تحرير القدس.
بالاضافة الى فيلم “أصحاب ولا بزنس” للمخرج “علي إدريس” والذي يسلط الضوء على قصة شاب يضطر الى السفر لفلسطين بسبب التزامات مهنية أين يكتشف حجم نضال ومقاومة شعب هذا البلد.
كما لم تفشل السينما الوثائقية من الحديث عن القضية الفلسطينية. ومن بين هذه الأعمال يحضر فيلم “اجراس السلام” لرمسيس نجيب و”ثلاثية رفح” لحسام علي و”معسكر اللاجئين في غزة” اخراج “حسن حلمي” وغيرهم من الأفلام.
شكلت القضية الفلسطينية والسينما المصرية تجربة فنية وإنسانية تميزت بالصمود والتأثير. من خلال السينما، تمكن الفنانون من التعبير عن قصص ومشاعر الشعب الفلسطيني وتوجيه رسائل قوية للعالم. إن تأثير القضية الفلسطينية على السينما العربية يظل موضوعًا مهمًا يستحق التسليط عليه والبحث فيه بمزيد من العمق.
عبير العقربي