المهرجان الدولي لفيلم الهواة، أو “الفيفاك” كما يحلو للبعض تسميته، هو مهرجان ليس كغيره من المهرجانات. فكثيرة هي وجوه الاختلاف بينه وبين بقية التظاهرات السينمائية.
ولعل ذلك يظهر أولا من خلال إسمه الذي يحمل في طياته قدرا من التفرد والتميز. ما إن تدخل مسرح الهواء الطلق “زين الصافي” بقليبية، إلا وتكتشف أن “الفيفاك” ليس مجرد مهرجان بل هو أعمق بذلك بكثير. فقد تجاوز الحدود الثقافية ليصبح سنة حياتية وطقوسا مجتمعية واجتماعية تتكرر في كل صيف.
يصطف الجمهور في كل ليلة أمام المسرح، وتكاد تكون الوجوه مألوفة فيه. فمنذ ولادة الفيفاك في عام 1964 من قبل الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، وهو يستقبل أجيالا وراء أجيال، لينتقل بينهم حب السينما اللامشروط. مع نهاية كل عرض، يعطي مقياس التصفيق أول إشارة إلى مدى رضا الجمهور الذي يعبر عن إعجابه بالفيلم بطريقته الخاصة والمميزة.
لماذا الفيفاك وليس غيره؟
الفيفاك هو التظاهرة السينمائية التونسية الوحيدة التي تهتم بأعمال الهواة. فكأنها بمثابة المتنفس لهذه الفئة والوجهة الوحيدة التي تحتضن أحلامهم وتؤمن بها. فمهما اختلفت الآراء وتناقضت الرؤى، يضل المهرجان الدولي لفيلم الهواة ينبض بذات المبادئ التي تنادي بسينما ملتزمة ومستقلة وحرة.
ولا يمكن أن نغض البصر عن دور منطقة “قليبية” في إضافة جمالية وشاعرية لهذا المهرجان. فما إن تحط أقدامك على تراب هذا المكان، يغمرك احساس بالنشوة الثقافية والتميز المجتمعي والحضاري.
هي أرض يتقاطع فيها كل ما هو استثنائي ومختلف.في “قليبية”، على غرار عديد المناطق، تنتظم عديد الأنشطة التي تقام على هامش المهرجان في الساحات المفتوحة في الهواء الطلق ، لتضفي طابعا خاصا واستثنائيا لهذه التظاهرة.
في هذا المكان لا يمكن أن تتمالك نفسك على مختلف أشكال المتع. ولا تمنعك المشاركة في المهرجان من الإستمتاع بالسباحة أو تناول نصيبك من السمك المشوي في المرفأ فجرا.
كما أن المتأمل في “الفيفاك”، يمكن أن يستنتج إلى أي مدى تنعكس عليه التلقائية وبساطة العيش والمبادئ التي تنادي بها “قليبية”. فما إن أردت أن تواكب عروض الأفلام، كن على يقين أنك ستستقبل بحفاوة ولن تكون مجبرا إلا على احترام الأفلام والاستمتاع بمشاهدتها. على عكس الكثير من التظاهرات السينمائية التي يمكن أن تشترط تأنقك لمواكبة أنشطتها.
الفيفاك ذاكرة شعبية
يؤكد المخرج الشاب “حمدة الذوادي” أصيل ولاية قليبية، لمجلة سكرين عربية، أن للفيفاك طرقه الخاصة لجذب كل عاشق للسينما، ليفرض عليه سحره بطريقة آسرة وغير مباشرة ومغرية في ذات .
هي علاقة تكاد تكون غير مفهومة فهي كاسرة للمألوف والمعتاد. بدأت قصة “حمدة” قضى طفولته كاملة وهو يتخبط بين جدران مسرح “زين الصافي” ليشاهد خلسة الأفلام على الشاشة في حالة من الانبهار والسعادة المطلقة. وهاهي الحالة تتكرر في عام 2023. فمع مرور السنين، لايزال دخول الأطفال إلى المسرح خلسة أحد العادات التي لا تندثر ولا يملها الجمهور.
هي إذن عدة عوامل تجعل المهرجان الدولي لفيلم الهواة سحرا خاصا وتميزه عن غيره من بقية المهرجانات الأخرى. ومهما تواترت الصعوبات على نختلف المستويات، لن يشفى هواة السينما من حب الفيفاك.