في قلب الصحراء التونسية، تحت أفق شاسع يمتدّ إلى ما لا نهاية، انطلقت فعاليات الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للسينما في الصحراء، لتُعيد الحياة إلى رمال قصر غيلان الصامتة وتبعث فيها نبضا فنيا لم تعهده من قبل. برفقة موسيقى “الطبال” وألحان التراث الشعبي التونسي التي تتناغم مع نسائم الجنوب. هنا حيث الهدوء والسلام، استُقبل الزوار بابتسامات دافئة ولطف أهالي الجنوب التونسي، الذين فتحوا قلوبهم وضيافتهم للجميع، في مشهد يعكس كرم هذه الأرض السخية وعراقة ثقافتها.
افتتح مدير المهرجان، حافظ خليفة، الحفل بكلمة مؤثرة رحّب فيها بالحضور، مؤكدا على طموحات المهرجان في تقديم نافذة فنية جديدة للمنطقة وخلق تجربة سينمائية تُحيي روح الثقافة في قلب الصحراء. وتزيّن المشهد بأزياء الجنوب التونسية التقليدية، حيث تجسدت الثقافة التونسية بثرائها في كل زاوية من السهرة.
لكن اللحظة الأكثر تأثيرا كانت حين عبّر المخرج التونسي عبد الله يحيى عن شوقه لرفيق دربه الراحل، ياسر الجرادي، متمنيا لو كان حاضرا ليشهد هذا الإنجاز السينمائي في الصحراء التونسية. أعلن يحيى عن تأثيث سهرة الافتتاح بعرض فيديو تكريمي لعمل مشترك جمعه مع ياسر، غير أنّ الظروف الصحراوية والرياح حالت دون عرضه في هذه الليلة، ليؤجل اللقاء بين الفن والجمهور إلى وقت آخر، وسط تصفيق حار ملأ المكان، وكأنه نبض واحد يجمع الجميع في لحظة تقدير للراحل.
تظن أن السهرة قد انتهت، حتى تتفاجأ بدعوة جديدة لأجواء صحراوية أخرى في هذه الليلة السمراء. يصطف الجميع حول موقد “سامور” يتأجج بالنار، حيث يتسامر الضيوف تحت ألحان الموسيقى الجنوبية، في لحظات تمتزج فيها حرارة الصحراء بسحر التراث.
في هذه الليلة الساحرة، حيث تلامس فيها الثقافة الفنّ، يثبت المهرجان أنّه أكثر من مجرد حدث عابر؛ هو بصيص أمل جديد ينبثق من قلب الصحراء، ليعيد إحياء الذاكرة الثقافية ويرسّخ فيها عبق الفن والسينما، ويؤكد أنّ هذه الأرض، التي تحاكي الصمت، ستظلّ منبعًا لصدى الحياة والإبداع.
عبير العقربي