You are currently viewing “أنف وثلاث عيون”: رؤية سينمائية معاصرة تستكشف أعماق الأبعاد الإنسانية

“أنف وثلاث عيون”: رؤية سينمائية معاصرة تستكشف أعماق الأبعاد الإنسانية

تخيل أنك تستمتع بمشاهدة عمل سينمائي في عام 2024 فتجد نفسك مغمورا بأجواء السبعينات…هذا الشعور المثير يتجسد بشكل ملموس عند مشاهدة الأفلام، حيث تظهر قوة السينما في تسخيرها كوسيلة فريدة قادرة على نقلنا عبر الزمن. فيلم “أنف وثلاث عيون” يبدو وكأنه ينسجم مع هذه الفئة من الأفلام التي تأخذنا في رحلة مثيرة لاستعادة رونق الزمن الجميل، ممزوجا برومانسية لا تنسى ولحظات تاريخية تعيدنا إلى أيام مضت بجاذبيتها الخاصة.
استأنفت قاعات السينما التونسية، منذ أمس 14 فيفري 2024، عروض هذا العمل السينمائي المصري للمخرج “أمير رمسيس”، وإنتاج “شاهيناز العقاد”، وسيناريو “وائل حمدي”. وهو فيلم مأخوذ عن رواية الكاتب “احسان عبد القدوس” الصادرة في عام 1964 والتي تحمل نفس العنوان.
يشارك في البطولة كل من “ظافر العابدين” (هاشم)، “صبا مبارك” (علياء)، “سلمى أبو ضيف”(روبا)، وتحضر “أمينة خليل” كضيفة شرف (نجوى).
هي لحظة مفصلية في حياتنا قد تكون محورا لإعادة اكتشاف ذواتنا، فقد يكون النسيان وإسقاط الوجع عند بعضنا جوابا، بينما يمكن أن تدفعنا التراكمات الاجتماعية والعلاقات لاستكشاف الخلل الساكن في أرواحنا. في عالم مليء باللحظات المحورية، يتناول فيلم “أنف وثلاث عيون” قصة “هاشم”، الطبيب الذي وجد نفسه محاصرا بألم الطفولة وضغط علاقته العاطفية مع فتاة تصغره بعقدين ونصف من الزمن. هذه اللحظات تعيد تشكيل حياته وتحفزه على البحث عن السعادة المفقودة في ذاته. بينما يتجاوز البطل آلامه بتوجيهه لمعالجة نفسية مع “علياء”، تأخذنا هذه الرحلة إلى عوالم عميقة من صراعات الإنسانية. بتوقيع السيناريست وائل حمدي ورؤية المخرج أمير رمسيس، يمنحنا الفيلم تجربة سينمائية مميزة تتفاعل بشكل رائع مع أدب إحسان عبد القدوس.

“أنف وثلاث عيون”… يسرد العنوان في حد ذاته جوهر الفيلم الذي يعرض صراعا شخصيا معقدا. ففي أحد المشاهد تلقي الطبيبة النفسية “علياء”-في حوارها مع “هاشم”- الضوء على 3 أبعاد تؤثر بشكل مباشر على حياة الإنسان، وهي عين العقل، عين الغريزة، وعين القلب. فالوعي بالأشياء التي تدور حولنا، يتطلب أحيانا أن نغلق عين القلب أو العاطفة ونفتح عين العقل علها تجد سبيلا لمعانقة الحقيقة، والعكس صحيح.
يوحي العمل بشكل غير مباشر إلى أن تجاوز الحدود قد يثير مشاكل لا حصر لها. يبرز الفيلم هذه الفكرة من خلال شخصياته، حيث يتأثر الطفل هاشم بشكل كبير بحب والده لأمه المتوفية وتعلقه المرضي بها، بينما تعاني “علياء” من اضطراب نفسي ناتج عن العلاقة المثالية بين والديها، ويظهر ذلك في اضطرابها الثنائي القطب. ولعل هذا يشير إلى أن المثالية المبالغ فيها في العلاقات يمكن أن تؤدي إلى “خلل” اجتماعي وعاطفي ويؤثر على الأبناء. وفي المقابل، تعني “نجوى” و”روبا” من الآثار السلبية للعلاقات الأسرية الناتجة عن علاقاتهما العائلية الصعبة ونقص الدفء العائلي.

يحث الفيلم الجمهور على التأمل في مشاعرهم ودوافعهم، والتعمق في خياراتهم وحياتهم الشخصية. فهو عمل لا يكتفي بأن يسافر بك الى الزمن الجميل الى جانب ثنائيات السينما الكلاسيكية بل يجعلك أيضا تبحر في أعماق ذاتك البشرية باحثا عن سعادتك المطلقة واحساسك بالأمان في عالم تملؤه الخيبات.